الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
أنه كان حاج العراق تأخر عن الحج سنة عشر وسنة إحدى عشرة فلما جاءت سنة اثنتي عشرة قصد جماعة من الناس يمين الدولة أبا القاسم محمود بن سبكتكين وقالوا له: أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض وفي كل سنة تفتتح من بلاد الكفر قطعة والثواب في فتح طريق الحج أعظم والتشاغل به أوجب وقد كان بد بن حسنويه وما في أصحابك إلا من هو أكبر شأنًا منه يسير الحاج بماله وتدبيره عشرين سنة فانظر لله تعالى واجعل لهذا الأمر حظًا من اهتمامك فتقدم إلى أبي محمد الناصحي قاضي القضاة في مملكته بالتأهب للحج ونادى في سائر أعمال خراسان بالتأهب للمسير وأطلق للعرب في البادية ثلاثين ألف دينار وسلمها إلى الناصحي سوى ما أطلقه من الصدقات فحج بهم الناصح أبو الحسن الأقساسي فلما بلغوا فيد حاصرهم العرب فبذل لهم الناصحي خمسة آلاف دينار فلما لم يقنعوا وصمموا على أخذ الحاج وكان متقدمهم رجل يقال له جماز بن عدي بضم العين من بني نبهان وكان جبارًا فركب فرسه وعليه درعه وبيده رمحه وجال جولة يرهب بها وكان في جماعة السمرقنديين غلام يعرف بابن عفان يوصف بجودة الرمي فرماه بنبلة فوصلت إلى قلبه فسقط ميتًا وأفلت الحاج وساروا فحجوا وعادوا سالمين. وفي هذه السنة: قلد القاضي أبو جعفر محمد بن أحمد السمناني الحسبة والمواريث وقرأ الوزير ابن حاجب النعمان عهده وركب بالسواد وخلع على أبي علي الحسن بن الحسين الرخجي خلع الوزارة ولقب مؤيد الملك وقبض قرواش بن المقلد على أبي القاسم المغربي الوزير وأطلقه وعلى أبي القاسم سليمان بن فهد فقتل سليمان نفسه. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن حفص أبو سعد الماليني الصوفي ومالين قرية من قرى هراة أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه رحل إلا البلاد الكثيرة وسمع من أشياخ كثيري العدد وكتبه من الكتب الطوال والمصنفات الكبار ثم رحل إلى مصر فتوفي بها في شوال هذه السنة وكان ثقة مصنفًا صدوقًا صالحًا. الحسين بن الحسين بن محمد بن الحسين أبو محمد القاضي الإستراباذي ابن رامين نزل بغداد وحدث عن أبي بكر الإسماعيلي وغيره وكان صدوقًا فقيهًا فاضلًا صالحًا توفي في هذه السنة. ذا السعادتين ولد بسيراف سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة وتقلبت به الأمور حتى صحب فخر الملك ولقبه سلطان الدولة وزير الوزراء نجاح الملوك وخلع عليه وجعله ناظرًا في بغداد فلما قطعت خطبة سلطان الدولة وخطب لمشرف الدولة ألزم أبا غالب بالانحدار مع الديلم إلى خوزستان فانحدر معهم فلما وصل إلى الأهواز نادى الديلم بشعار سلطان الدولة وهجموا على أبي غالب فقتلوه فكانت وزارته ثمانية عشر شهرًا وثلاثة أيام وعمره ستون سنة وخمسة أشهر وصودر ابنه على ثمانين ألف دينار فلما بلغ سلطان الدولة قتل أبي غالب سكن قلبه واطمأن وقال المطرز يرثي أبا غالب: أبا غالب من للمعالي إذا دعت ومن عنك يسعى سعيها ويثيب ومن للمذاكي يصطلين بغارة بها السيف عار والسنان خضيب فتى يستجير الملك إن صرخت به الح وادث أو حنت عليه خطوب ومن يكشف الغماء عنه بعزمة لها في قلوب النائبات وجيب أبو عبد الله الغزال قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه وكان شيخًا ثقة صالحًا كثير البكاء عند الذكر ومنزله في شارع دار الرقيق وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب. محمد بن عمر أبو القاسم القزاز الحربي سمع النجاد يروي عنه الخطيب وقال: كان ثقة يقرئ القرآن ويصوم الدهر وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب. محمد بن عمر أبو بكر العنبري الشاعر كان ظريفًا أديبًا طلق النفس حسن الشعر. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري قال: أنشدني أبو بكر العنبري لنفسه: إني نظرت إلى الزما ن وأهله نظرًا كفاني فعرفته وعرفتهم وعرفت عزي من هواني فلذاك أطرح الصديق فلا أراه ولا يراني فتعجبوا لمقالة وهب الأقاصي للأداني وأنسل من بين الزحا م فما له في الخلق ثاني وكان العنبري يتصوف ثم بان له عيوب الصوفية فذمهم بقصائد قد كتبتها في تلبيس إبليس توفي العنبري يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى من هذه السنة. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد بن خالد أبو الحسن البزاز ابن رزقويه كان يذكر أن له نسبًا في همدان سمع إسماعيل بن محمد الصفار وأبا الحسن المصري وخلقًا كثيرًا. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: سمعته يقول: ولدت يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثلثمائة وأول من سمعت منه الصفار وأول ما كتبت سنة سبع وثلاثين. قال ابن ثابت: كان ابن رزقويه يذكر أنه درس الفقه وعلق على مذهب الشافعي وكان ثقة صدوقًا كثير السماع والكتاب حسن الاعتقاد جميل المذهب مديمًا لتلاوة القرآن شديدًا على أهل البدع ومكث يملي في جامع المدينة من بعد سنة ثمانين وثلثمائة إلى قبل وفاته بمديدة وهو أول شيخ كتبت عنه وأول ما سمعت منه في سنة ثلاث وأربعمائة كتبت عنه إملاء مجلسًا واحدًا ثم انقطعت عنه إلى أول سنة ست وعدت فوجدته قد كف بصره فلازمته إلى آخر عمره. وسمعته يقول: والله ما أحب الحياة في الدنيا لكسب ولا تجارة ولكن أحبها لذكر الله تعالى ولقراءتي عليكم الحديث هذا قول أبي بكر الخطيب. وسمعت البرقاني يسأل عنه فقال: ثقة وسمعت الأزهري يذكر أن بعض الوزراء دخل بغداد ففرق مالًا كثيرًا على أهل العلم وكان ابن رزقويه في من وجه إليه من ذلك المال فقبلوا كلهم سواه فإنه رده تورعًا وظلف نفس. وكانت وفاته غداة يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ودفن في يومه بعد صلاة الظهر في مقبرة باب الدير بالقرب من معروف الكرخي. محمد بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل أبو الفتح بن أبي الفوارس كان جده سهل يكنى أبا الفوارس ولد أبو الفتح في سحر يوم الأحد لثمان بقين من شوال سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة وسمع من أبي بكر النقاش والشافعي وأبي علي بن الصواف وخلق كثير. وسافر في طلب الحديث إلى البلاد وكتب الكثير وجمع وكان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة مشهورًا بالصلاح وكتب الناس عنه بانتخابه على الشيوخ وحدث عنه البرقاني وهبة الله الطبري وكان يسكن بالجانب الشرقي ويملي في جامع الرصافة. وتوفي يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن إلى جنب أحمد بن حنبل غير أن بينهما قبور الميمين الثلاثة كذا قال القزاز عن الخطيب. محمد بن إبراهيم بن حوران بن بكران أبو بكر الحداد سمع أبا بكر الشافعي وروى عن أبي جعفر بن برية كتاب المبتدأ لوهب وكان صدوقًا. محمد بن الحسن بن محمد أبو العلاء الوراق ولد سنة ثمان عشرة وثلثمائة وسمع إسماعيل بن محمد الصفار وأحمد بن كامل القاضي وغيرهما. وكان ثقة وكان ينزل في الجانب الشرقي ناحية سوق يحيى وتوفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الأول من هذه السنة ودفن في الخيزرانية. محمد بن الحسين بن محمد بن موسى أبو عبد الرحمن روى عن أبي العباس الأصم وغيره. وروى عنه مشايخ البغداديين الأزهري والعشاري وغيرهما وكانت له عناية بأخبار الصوفية فصنف لهم تفسيرًا وسننًا وتاريخًا وجمع شيوخًا وتراجم وأبوابًا وله بينسابور دويرة معروفة يسكنها الصوفية وفيها قبره وتوفي يوم الأحد ثالث شعبان من هذه السنة. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري: كان أبو عبد الرحمن غير ثقة ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئًا يسيرًا فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواها وكان يضع للصوفية الأحاديث. أبو عبد الله ابن الدجاجي كان يعظ ويتكلم على الأحوال والمعرفة. أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد حدثنا أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي المتولي النيسابوري أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: سمعت الأستاذ أبا علي الحسن بن علي الدقاق يقول في قوله: " من تواضع لغني لأجل دنياه ذهب ثلثا دينه " قال: لأنه تواضع له بلسانه وخدمه بأركانه فلو تواضع له بقلبه ذهب دينه كله وقال: عليك بطريق السلامة وإياك والتطلع لطرق البدء ثم أنشد: ذريني تجئني منيتي مطمئنة ولم أتجشم هول تلك الموارد رأيت عليات الأمور منوطة بمستودعات في بطون الأساود وقال: وعند القوم أن سرور الطلب أتم من فرح الوجود لأن فرح الوجود يخطر الزوال وحال الطلب برجاء الوصال. وقال في قوله: {اذكروني أذكركم} اذكروني اليوم وأنتم أحياء أذكركم وأنتم تحت التراب إن الأحباب إذا أقفرت ديار أحبابهم قالوا: سقيًا لساكنها ورعيًا لقطانها كذلك الحق سبحانه إذا أتت عليك الأعوام وأنت رميم يقول: سقيًا لعبادي. وقال: البلاء الأكبر أن تريد ولا تراد وتدنو وترد إلى البعاد. وقال: "حفت الجنة بالمكاره": إذا كان المخلوق لا وصول إليه إلا بتحمل المشاق فما ظنك بمن لم يزل وقد قال في الكعبة: لولا المشقة ساد الناس كلهم ** الجود يفقر والاقدام قتال قال يعقوب: يقول: يا أسفي على يوسف ويوسف: يقول أنت وليي وأنشد فمن الحوادث فيها: أنه في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة فتح المارستان المؤيدي الذي بناه مؤيد الملك أبو علي الحسن الرخجي وزير مشرف الدولة بواسط وحملت إليه الأدوية والأشربة ورتب له الخزان والأطباء والوكلاء ووقفت عليه الوقوف وجعلت على المعاملات السلطانية مشاهرة. وفي هذه السنة: في زمن الحج عمد بعض الحجاج المصريين إلى الحجر الأسود فضربه بدبوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعة منه وعاجله الناس فقتلوه وثار المكيون بالمصريين ونهبوا وقتلوا قومًا منهم وركب أبو الفتوح الحسن بن جعفر فأطفأ الفتنة ودفع عن المصريين. قال هلال بن المحسن: وقيل: إن الفاعل ما فعله إلا وهو من الجهلة الذي كان الحاكم استغواهم وأفسد أديانهم. وقيل: كان ذلك في سنة أربع عشرة قال: وقرأت في كتاب كتب بمصر في هذا المعنى: كان من جملة من دعاه الخوف إلى الانتزاح رجل من أهل البصرة أهوج أثول سار مع الحجيج إلى مكة فرقًا من السيف وتستر بالحج فلما وصل أعلن الكفر وأظهر ما كان يخفيه من الكفر فقصد الحجر الأسود فضربه بدبوس في يديه أطارت شظايا منه ووصلت بعد ذلك ثم أن هذا الكافر عوجل بالقتل. أخبرنا شيخنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي قال: في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة كسر الحجر الأسود لما صليت الجمعة يوم النفر الأول ولم يكن رجع الناس بعد من منى قام رجل ممن ورد من ناحية مصر بإحدى يده سيف مسلول وبالأخرى دبوس بعدما قضى الإمام الصلاة فقصد ذلك الرجل ليستلمه على الرسم فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متوالية بالدبوس وقال: إلى متى يعبد الحجر ولا محمد ولا علي يمنعني عما أفعله فإني أهدم هذا البيت وأرفعه فاتقاه أكثر الحاضرين وتراجعوا عنه وكاد يفلت وكان رجلًا تام القامة أحمر اللون أشقر الشعر سمين الجسم وكان على باب المسجد عشرة من الفرسان على أن ينصروه فاحتسب رجل من أهل اليمن أو من أهل مكة أو من غيرها فوجأه بخنجر واحتوشه الناس فقتلوه وقطعوه وأحرقوه بالنار وقتل من اتهم بمصاحبته ومعونته على ذلك منكر جماعة وأحرقوا بالنار وثارت الفتن وكان الظاهر من القتلى أكثر من عشرين نفسًا غير ما اختفى منهم وألحوا في ذلك اليوم على المغاربة والمصريين بالنهب والسلب وعلى غيرهم في طريق منى إلى وفي يوم النفر الثاني أضرب الناس وماجوا وقالوا: إنه قد آخذ في أصحاب الخبيث لعنه الله أربعة أنفس اعترفوا بأنهم مائة بايعوا على ذلك وضربت أعناق هؤلاء الأربعة وتقشر بعض وجه الحجر في وسطه من تلك الضربات وتخشن وزعم بعض الحاج أنه سقط من الحجر ثلاث قطع واحدة فوق أخرى فكأنه يثقب ثلاث ثقب ما يدخل الأنملة في كل ثقب وتساقط منه شظايا مثل الأظفار وطارت منه شقوق يمينًا وشمالًا وخرج مكسره أحمر يضرب إلى الصفرة محببًا مثل الخشخاش فأقام الحجر على ذلك يومين ثم أن بني شيبة جمعوا ما وجدوه مما سقط منه وعجنوه بالمسك واللك وحشوا تلك المواضع وطلوها بطلاء من ذلك فهو بين لمن تأمله وهو على حاله اليوم. عمر بن محمد بن عمر أبو علي العلوي سكن بغداد وحدث بها وقد ذكرنا حال أبيه وتوسعه في الدنيا وكان لعمر هذا مال كثير فقبض عليه قرواش بن المقلد وأخذ منه مائة ألف دينار وتوفي في هذه السنة واستولى السلطان دجى بن عبد الله أبو الحسن الخادم الأسود الخصي مولى الطائع لله. طان قريبًا منه وخصيصًا به يسفر بينه وبين الملوك سمع أبا الفضل بن المأمون وغيره وكان سماعه صحيحًا وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة. علي بن هلال أبو الحسن ابن البواب صاحب الخط الحسن صحب ابن سمعون وكان يقص بجامع المدينة وبلغنا أن أبا الحسن البتي دخل دار فخر الملك أبي غالب فوجد ابن البواب جالسًا في عتبة باب ينتظر خروج فخر الملك فقال جلوس الأستاذ في العتب رعاية للنسب فجرد ابن البواب وقال: لو أن إلي من أمر الدنيا شيئًا ما مكنت مثلك في الدخول فقال البتي: ما تترك صنعة الشيخ رحمه الله. توفي الأستاذ أبو الحسن يوم السبت ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب ورثي بأبيات منها: فللقلوب التي أبهجتها حزن وللعيون التي أقررتها سهر ما لعيش وقد ودعته أرج ولا لليل وقد فارقته سحر السكري الشاعر أصله من نفر وهو بلد على النرس من بلاد الفرس ولد ببغداد في صفر سنة سبع وخمسين وثلثمائة وكان يحفظ القرآن والقراءات وكان متفننًا في الآداب وصحب القاضي أبا بكر بن الطيب وأكثر شعره في مدح الصحابة والرد على الرافضة والنقض على شعرائهم. توفي في يوم الثلاثاء سلخ شعبان في هذه السنة وقيل: يوم الاثنين لثلاث بقين من شعبان ودفن في مقبرة باب الدير في الموضع المعروف بتل صافي مقابل قبر معروف وأمر أن يكتب في لوح وينقش على قبره أبيات قالها وهي: نفس يا نفس كم تمادين في الغي وتأتين بالفعال المعيب راقبي الله واحذري موضع العر ض وخافي يوم الحساب العصيب لا يغرنك السلامة في العيش فإن السليم رهن الخطوب كل حي فللمنون ولا يد فع بأس المنون كيد الأريب واعلمي أن للمنية وقتًا سوف يأتي عجلان غير هيوب فأعدي لذلك اليوم زادًا وجوابًا لله غير كذوب إن حب الصديق في موقف الحشر أمان للخائف المطلوب العتيقي أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: ذكر لي ابنه أبو الحسن أنه ولد برويان سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة وحمل إلى طرسوس وهو ابن سبع سنين فنشأ بها وسمع الحديث من شيخ كان بها يعرف بالخواتيمي ولم يزل بها حتى غلبت الروم على البلد فانتقل إلى دمشق ثم ورد بغداد فسكنها حتى مات بها في يوم الخميس الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة قال أبو الحسن: وحدثني بشيء يسير وسمعت منه. محمد بن أحمد بن يوسف بن وصيف أبو بكر الصياد ولد في محرم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وسمع أبا بكر الشافعي والقطيعي وغيرهما. وكان ثقة صدوقًا خيرًا انتخب عليه ابن أبي الفوارس وتوفي يوم الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول من هذه السنة. محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد الله ابن المعلم شيخ الإمامية وعالمها صنف على مذهبهم ومن أصحابه المرتضى وكان لابن المعلم مجلس نظر بداره بدرب رياح يحضره كافة العلماء وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف لميلهم إلى مذهبه. توفي في رمضان هذه السنة ورثاه المرتضى فقال: من لفضل أخرجت منه خبيئًا ومعان فضضت عنها ختاما من ينير العقول من بعدما كنا همودًا ويفتح الأفهاما من يعير الصديق رأيًا إذا ما سله في الخطوب كان حساما ودفن في مقبرة فمن الحوادث فيها: أنه لما سار مشرف الدولة مصعدًا إلى بغداد روسل الخليفة القادر في البروز لتلقيه فتلقاه من الزلاقة ولم يكن تلقى أحدًا من الملوك قبله وخرج في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من المحرم فركب في الطيار وعليه السواد والبردة ومن جانبه الأيمن الأمير أبو جعفر ومن جانبه الأيسر الأمير أبو القاسم وبين يديه أبو الحسن علي بن عبد العزيز وحوالي القبة المرتضى أبو القاسم الموسوي وأبو الحسن الزينبي وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب وفي الزبازب المسودة من العباسيين والقضاة والقراء والفقهاء فنزل مشرف الدولة في زبزبة ومعه خواصه وصعدوا إلى الطيار وقد طرح أنجره فوقف فقبل الأرض دفعة ثانية وسأله الخليفة عن خبره وعرفه استيحاشه لبعده وأنسه الآن بقربه والعسكر واقف بأسره في شاطئ دجلة والعامة في الجانبين والسماريات وقام مشرف الدولة فنزل في زبزبة وأصعد الطيار. وفي يوم الجمعة لثلاث بقين من شعبان: غدر خليفة بن هراج الكلابي بالقافلة الواردة معه وفي خفارته من مصر وعدل بها إلى حلته فأناخ جمالها وأخذ أحمالها وصرف أربابها على أسوأ حال وكانت تشتمل على نيف وأربعين حملًا بزًا وثلاثين ألف دينار مغربية وعرف الخبر قرواش فركب في رمضان من الأنبار وتوجه نحوه فهزم قرواش وتمزقت العرب بالمال. وفي هذه السنة: ورد كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين إلى القادر بالله يذكر له غزوة في بلاد الهند وأنه أوغل في بلادهم حتى جاء إلى قلعة عد فيها ستمائة صنم وقال: أتيت قلعة ليس لها في الدنيا نظير وما الظن بقلعة تسع خمسمائة ألف إنسان وخمسمائة فيل وعشرين ألف دابة ويقوم لهذا العدد بما يكفيه من علوفة وطعام وأعان الله حتى طلبوا الأمان فآمنت ملكهم وأقررته على ولايته بخراج قرر عليه وأنفذ هدايا كثيرة وفيلة ومن الطرف الغربية طائر على هيئة القمري ومن خاصته أنه إذا حضر على الخوان وكان في شيء مما قدم سم دمعت عينه وجرى منها ماء تحجر وحك فطلى بما يحك منه الجراحات ذوات الأفواه الواسعة فيحملها فتقبلت هديته وانقلب العبد بنعمة من الله وفضله. وفيها: وزر أبو القاسم المغربي لمؤيد الملك بعد الرخجي فقال رجل لكون الوزير كان مشغولًا بالنحو: ويل وعول وويه لدولة ابن بويه سياسة الملك ليست ما جاء عن سيبويه وفي هذه السنة: حج بالناس أبو الحسن محمد بن الحسن الأقساسي العلوي وعاد على طريق الشام لاضطراب الجادة. الحسين بن فضل بن سهلان أبو محمد الرامهرمزي وزير لسلطان الدولة وبنى سور الحائر من مشهد الحسين عليه السلام في سنة ثلاث وأربعمائة الحسين بن محمد أبو عبد الله الكشفلي الطبري تفقه على أبي القاسم الداركي وكان فهمًا فاضلًا ودرس بعد أبي حامد في مسجده وهو مسجد عبد الله بن المبارك بقطيعة الربيع وكان يقرأ عليه فقيه من أهل بلخ فتأخرت تفقته فأضر به ذلك فشكا حاله إلى الكشفلي فأخذه ودخل على رجل من التجار بالقطيعة يقال له ابن برويه وسأله أن يقرضه شيئًا حتى تأتي نفقته من بلده فأمر بتقديم الطعام فلما أكلوا تقدم إلى جارية فأحضرت زنفيجلة فوزن منها عشرين دينارًا ودفعها إليه وخرج الكشفلي وهو يشكره ورأى الفقيه قد تغير فسأله عن حاله فأخبره أنه قد هوي الجارية التي حملت الزنفيجلة فعاد الكشفلي إلى ابن برويه فقال له: قد وقعنا في قصة أخرى قال: ما هي فأخبره بحال الفقيه مع الجارية فسلمها إليه وقال: ربما كان في قلبها منه مثل ما في قلبه لها ووصل الفقيه من أبيه ستمائة دينار توفي الكشفلي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقابر باب حرب. الحسين بن الحسن بن محمد بن القاسم أبو عبد الله المخزومي الغضائري سمع الصولي وابن السماك والنجاد والخلدي وكان ثقة توفي في محرم هذه السنة ودفن بقرب قبر أحمد بن حنبل. علي بن عبد الله بن جهضم أبو الحسن الصوفي صاحب بهجة الأسرار وكان شيخ الصوفية توفي بمكة وقد ذكروا أنه كان كذابًا ويقال أنه وضع صلاة الرغائب. أخبرنا شيخنا ابن ناصر عن أبي الفضل بن خيرون قال: قد تكلموا فيه. القاسم بن جعفر بن عبد الواحد أبو عمر الهاشمي البصري قدم بغداد في سنة إحدى وسبعين وقبلت شهادته ثم قدمها مع أبي محمد بن معروف في سنة سبع وسبعين وكانت ولادته سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة سمع عبد الغافر بن سلامة وأبا علي اللؤلؤي في خلق وكان ثقة أمينًا وولي القضاء بالبصرة وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة. محمد بن أحمد بن الحسين بن يحيى أبو الفرج القاضي الشافعي ابن سميكة أخبرنا القزاز أخبرنا ابن ثابت الخطيب قال: كتبنا عنه بانتقاء محمد بن أبي الفوارس وكان ثقة وتوفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء لست خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة وأربعمائة ودفن في مقبرة باب حرب. محمد بن أحمد أبو جعفر النسفي كان عالمًا بالفقه على مذهب أبي حنيفة وصنف تعليقة مشهورة وكان فقيرًا متزهدًا فبات ليلة مكروبًا من الإضافة فوقع له فرع من فروع مذهبه فأعجب به فقام قائمًا يرقص في داره ويقول: أين الملوك وأبناء الملوك فسألته زوجته عن حاله فأخبرها فتعجبت توفي في شعبان هذه السنة. هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان أبو الفتح الحفار ولد سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة سمع إسماعيل الصفار وأبا عمرو بن السماك والنجاد وابن الصواف وكان صدوقًا ينزل بالجانب الشرقي قريبًا من الخطابين توفي في شهر صفر هذه السنة رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين بمنه وكرمه. فمن الحوادث فيها: أن الوزير المغربي جمع الأتراك والمولدين ليحلفوا لمشرف الدولة وكلف مشرف الدولة المرتضى ونظام الحضرتين أبا الحسن الزينبي وقاضي القضاة وأبا الحسن بن أبي الشوارب وجماعة من الشهود الحضور فأحلفت طائفة من القوم فظن الخليفة أن التحالف لنية مدخولة في حقه فبعث من دار الخليفة من منع الباقين بأن يحلفوا وأنكر على المرتضى والزينبي وقاضي القضاة حضورهم بلا إذن واستدعوا إلى دار الخلافة وسرح الطيار وأظهر عزم الخليفة على الركوب وتأدى ذلك إلى مشرف الدولة وانزعج منه ولم يعرف السبب فيه فبحث عن ذلك إذا به أنه اتصل بالخليفة أن هذا التحالف عليه فترددت الرسائل باستحالة ذلك وانتهى الأمر إلى أن حلف مشرف الدولة على الطاعة والمخالصة للخليفة وكان وقوع اليمين في يوم الخميس الحادي عشر من صفر وتولى أخذها واستيفاءها القاضي أبو جعفر السمناني ثم حلف الخليفة لمشرف الدولة. وفي رجب: وقع العقد لمشرف الدولة على بنت علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه وكان وفي هذه السنة: تأخر الحاج الخراسنة للإشفاق من فساد طريق مكة. وفيها حج بالناس: أبو الحسن الأقساسي وحج معه حسنك صاحب محمود بن سبكتكين فنفذ إليهما صاحب مصر خلعًا وصلة فسارا إلى العراق ولم يدخل حسنك بغداد خوفًا أن ينكر عليه من دار الخلافة فكوتب محمود بن سبكتكين بما فعله حسنك فنفذ برسوله ومعه الخلع المصرية فأحرقت على باب النوبي وعاد الحاج على طريق الشام وورد كثير منهم في السفن من طريق الفرات وجاء قوم على الظهر إلى أوانا وذاك لأنهم عللوا العرب في ممرهم بأنا سنرضيكم فخافوا أن يصيروا في أيديهم بحكمهم فعرجوا إلى تلك الطريق لطلب السلامة. أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل أبو الفرج المعدل ابن المسلمة ولد في سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وسمع أباه وأحمد بن كامل والنجاد والخطبي ودعلج بن أحمد وغيرهم. وكان ثقة يسكن في الجانب الشرقي بدرب سليم ويملي في كل سنة مجلسًا واحدًا في أول المحرم وكان عاقلًا فاضلًا كثير المعروف وداره مألفًا لأهل العلم. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن ثابت قال: حدثني رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن بن أحمد بن محمد قال: كان جدي يختلف في درس الفقه إلى أبي بكر الرازي وكان يصوم الدهر وكان يقرأ كل يوم سبع القرآن بالنهار ويعيده بعينه في ليلته في ورده. قال رئيس الرؤساء: ورأيت أبا الحسين القدوري الفقيه بعد موته في المنام فقلت له: كيف حالك فتغير وجهه ودق حتى صار كهيئة الوجه المرئي في السيف دقة وطولًا وأشار إلى صعوبة الأمر فقلت: كيف حال الشيخ أبي الفرج يعني جده فعاد وجهه إلى ما كان عليه وقال لي: ومن مثل الشيخ أبي الفرج ذلك ثم رفع يده إلى السماء فقلت في نفسي: يريد بهذا قول الله تعالى: أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسن المحاملي كان أبوه أحد الشهود ببغداد وتفقه على أبي حامد وبرع وصنف المصنفات المشهورة وكان أبو حامد يقول: هو أحفظ للفقه مني. وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو شاب. سلطان الدولة ابن بهاء الدولة عبيد الله بن عمر بن علي بن الأشرس أبو القاسم الفقيه المقرئ ابن البقال سمع النجاد وأبا علي ابن الصواف قال الخطيب: سمعنا منه بانتقاء ابن أبي الفوارس وكان ثقة وتوفي في صفر هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب. عبيد الله بن عبد الله بن الحسين أبو القاسم الخفاف ابن النقيب أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: رأى الشبلي وسمع من أبي طالب ابن البهلول. وكان سماعه صحيحًا وكان شديدًا في السنة قال: وبلغني أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم. قال: وسمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم وكان ينزل في جواره ناحية الرصافة قال: مكث كذا وكذا سنة ذهب عني حفظ عددها كثرة يصلي الفجر على وضوء العشاء ويحيي الليل بالتهجد. قال الخطيب: وسألته عن مولده فقال: ولدت سنة خمس وثلثمائة. ومات أبو بكر بن مجاهد في سنة أربع وعشرين ولي تسع عشرة سنة وأذكر من الخلفاء: المقتدر والقاهر والراضي والمتقي والمستكفي والمطيع والطائع والقادر والغالب خطب توفي ابن النقيب في سلخ شعبان هذه السنة. عمر بن عبد الله بن عمر بن تعويذ أبو حفص الدلال توفي في هذه السنة قال في المصنف: سمعت أبا الفضل الأرموي يقول: سمعت أبا الحسين بن المهتدي يقول: سمعت عمر بن عبد الله بن تعويذ يقول: سمعت الشبلي يقول: وقد كان شيء يسمى السرور قديمًا سمعنا به ما فعل خليلي إن دام هم النفوس قليلًا على ما نراه قتل مؤمل دنيا لتبقى له فمات المؤمل قبل الأمل علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران أبو الحسين المعدل سمع علي بن محمد المصري وإسماعيل بن محمد الصفار والحسين بن صفوان وغيرهم وكان صدوقًا ثقة ثبتًا حسن الأخلاق تام المروءة توفي في شعبان هذه السنة وقيل: في رجب عن سبع وثمانين سنة ودفن بباب حرب. ابن أبي علي تولى حجبة القادر بالله في شوال سنة تسع وثمانين وثلثمائة فلم يزل على ولايته إلى سنة ثمان وأربعمائة وكثرت الفتن فجاء إلى دار الخليفة وأظهر التوبة من العمل وأشهد على نفسه بذلك في الموكب فولى بعده أبو مقاتل فأراد دخول الكرخ فمنعه أهلها فأحرق الدكاكين والجعافرة فصارت تلولًا فعاد علي بن أبي علي إلى الولاية في سنة تسع وأربعمائة وقتل الموسومين بالفتن من الشيعة والسنة ونفى ابن المعلم فقيه الإمامية وجماعة من الوعاظ وأهل السنة ونسبهم إلى معاونة أهل الفتن فقامت الهيبة وسكن البلد فلما ولي أبو القاسم المغربي الوزارة صادر علي بن أبي علي على خمسة آلاف دينار مغربية وألف عليه العيارين فقتلوه على باب درب الديزج ليلة النصف من رجب هذه السنة وتولى المعونة بعده أبو علي الحسن بن أحمد غلام ابن الهدهد. محمد بن المظفر بن علي بن حرب أبو بكر الدينوري الصالح توفي في ذي الحجة من هذه السنة. محمد بن الحسن وهو من ولد محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي حج بالناس سنين كثيرة نيابة عن المرتضى الموسوي وله شعر مليح ومنه قوله في غلام اسمه بدر: يا بدر وجهك بدر وغنج عينيك سحر وماء خديك ورد وماء ثغرك خمر أمرت عنك بصبر وليس لي عنك صبر تأمرني بالتسلي ما لي مع الشوق أمر توفي في هذه السنة ورثاه المرتضى بأبيات منها قوله: وقد خطف الموت كل الرجال ومثلك من بيننا ما خطف وما كنت إلا أبي الجنان على الضيم محتميًا بالأنف خليًا من العار صفر الإزار مدى الدهر من دنس أو نطف محمد بن أحمد بن عمر بن علي أبو الحسن ابن الصابوني ولد سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة وسمع أبا بكر الشافعي وغيره وكان صدوقًا. وتوفي يوم الخميس السادس عشر من رجب ودفن في مقبرة باب الشام ابن البياض ولد في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة وسمع أحمد بن سلمان وجعفر الخلدي وأبا بكر الشافعي وغيرهم. أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن ثابت قال: كان الدقاق شيخًا فاضلًا دينًا صالحًا ثقة من أهل القرآن ومات في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان سنة خمس عشرة وأربعمائة. محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل أبو الحسين الأزرق القطان سمع إسماعيل الصفار وأبا عمرو بن السماك وأبا بكر النجاد وجعفر الخلدي في آخرين وكان ثقة وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير. فمن الحوادث فيها: أن العيارين انبسطوا انبساطًا أسرفوا فيه وخرقوا هيبة السلطان وواصلوا العملات وأراقوا وفي ربيع الآخر: توفي الملك مشرف الدولة ونهبت الخزائن واستقر الأمر على تولية جلال الدولة أبي طاهر فخطب له على المنابر وهو بالبصرة فخلع على شرف الملك ابن ماكولا وزيره ولقبه علم الدين سعد الدولة أمين الملة شرف الملك وهو أول من لقب بالألقاب الكثيرة ثم تأخر إصعاده لما عليه الأمور من الانتشار واعلم بأن الملك يحتاج إلى المال وليس عنده فأظهر الجند الخوض في أمر الملك أبي كاليجار ثم تظاهروا بعقد الأمر له وانحدر الأصفهلارية إلى دار الخلافة وراسلوا الخليفة وعددوا ما عاملهم به جلال الدولة من إغفال أمرهم وإهمال تدبيرهم وأنهم قد عدلوا إلى أبي كاليجار ثم تظاهروا بعقد الأمر له إذ كان ولي عهد أبيه سلطان الدولة الذي استخلفه بهاء الدولة عليهم فتوقف الجواب ثم عادوا فقيل لهم: نحن مؤثرون لما تؤثرونه وخرج الأمر بإقامة الخطبة للملك أبي كاليجار وأقيمت له في يوم الجمعة سادس عشر من شوال فكوتب جلال الدولة بذلك فاصعد من واسط. وكان صاحب مصر قد أنفذ إلى يمين الدولة محمود بن سبكتكين خلعة مع أبي العباس أحمد بن محمد الرشيدي الملقب زين القضاة إلى الخليفة فجلس القادر بالله في يوم الخميس لتسع بقين من جمادى الآخرة لأبي العباس الرشيدي بعد أن جمع القضاة والشهود والفقهاء والأماثل وأحضر أبو العباس ما كان حمله صاحب مصر وأدى رسالة يمين الدولة بأنه الخادم المخلص الذي يرى الطاعة فرضًا ويبرأ من كل ما يخالف الدولة العباسية فلما كان فيما بعد هذا اليوم أخرجت الثياب إلى باب النوبي وحفرت حفرة وطرح فيها الحطب ووضعت الثياب فوقه وضربت بالنار وأبو الحسن علي بن عبد العزيز والحجاب حاضرون والعوام ينظرون وسبك المركب فخرج وزن فضة أربعة آلاف وخمسمائة واثنتين وستين درهمًا فتصدق به على ضعفاء بني هاشم. وفي هذه السنة: زاد أمر العيارين وكبسوا دور الناس نهارًا وفي الليل بالمشاعل والموكبيات وكانوا يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره ويستخرجونها منه بالضرب كما يفعل المصادرون ولا يجد المستغيث مغيثًا وقتلوا ظاهرًا وانبسطوا على الأتراك وخرج أصحاب الشرط من البلد وقتل كثير من المتصلين بهم وعملت الأبواب وأوثقت على الدروب ولم يغن ذلك شيئًا وأحرقت دار الشريف المرتضى على الصراة وقلع هو باقيها وانتقل إلى درب جميل وكان الأتراك قد أحرقوا طاق الحراني لفتنة جرت بينهم وبين العيارين والعامة وكان هذا الاختلاط من شهر رجب سنة خمس عشرة إلى آخر سنة ست عشرة. وغلت الأسعار وفي هذه السنة بيع الكر بثمانين دينارًا فخرج خلق من أوطانهم. وتأخر في هذه السنة ورود الحاج الخراسانية فلم يحج أحد من خراسان ولا من العراق. سابور بن أردشير وزر لبهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة ثلاث مرات وكان كاتبًا شديدًا وابتاع دارًا بين السورين في سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وحمل إليها كتب العلم من كل فن وسماها دار العلم وكان فيها أكثر من عشرة آلاف مجلد ووقف عليها الوقوف وبقيت سبعين سنة وأحرقت عند مجيء طغرلبك في سنة خمسين وأربعمائة ووزر لشرف الدولة بن عضد الدولة وكان عفيفًا عن الأموال كثير الخير سليم الباطن وكان إذا سمع الآذان ترك ما هو فيه من الأشغال وقام إلى الصلاة ولم يعبأ بشيء إلا أنه كان يكثر الولاية والعزل فولى بعض العمال عكبرا فقال له: أيها الوزير كيف ترى أستأجر السمارية مصعدًا ومنحدرًا فتبسم وقال: امض ساكنًا وتوفي ببغداد هذه السنة وقد جاوز السبعين. عثمان النيسابوري الخركوشي الواعظ كان يعظ الناس وله كتاب صنفه في الوعظ من أبرد الأشياء وفيه أحاديث كثيرة موضوعة وكلمات مرذولة لكنه قد كان فيه خير. دخل على القادر في سنة ست وتسعين وثلثمائة فوقف بين يديه وقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين حدثني فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لكل إمام دعوة مستجابة " فإن رأى أمير المؤمنين أن يخصني في هذا اليوم بدعوة فقال وكان حشمة عظيمة ومحلته حمى يلجأ عليه وكان محمود بن سبكتكين إذا رآه يقوم له ويستقبله إذا قصده فدخل عليه محمود يومًا وقال له: قد ضاق صدري كيف قد صرت تكدي فقال: بلغني أنك تأخذ أموال الضعفاء وهذا هو الكدية وكان محمود قد سقط على أهل نيسابور شيئًا فكق عن ذلك ووقع بنيسابور جرف فأخذ يغسل الموتى ويواريهم فغسل عشرة آلاف. محمد بن الحسن ابن صالحان أبو منصور وزر لشرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة ثم لأخيه بهاء الدولة وكان يحب الخير والعلماء ويميل إلى العدل ويفضل على الناس وإذا سمع الآذان ترك شغله ونهض لأداء الفرض وكان له مجلس نظر يحضر أهل العلم وكان يعطي العلماء والشعراء وتوفي ببغداد في رمضان هذه السنة عن ست وسبعين سنة. وكان أبو علي إسماعيل الموفق يخلف أبا منصور فأتاه بشر بن هارون النصراني فقال له: إني قد هجوت الوزير أبا منصور بأبيات فيها: قالوا مضيت إلى الوزير فقلت بظر أم الوزير يلقى الكرام نعم وأما ذا فيلقى جوف بئر فقال: لو سمعها منك لحمدت أمرك معه فقال: ما عليك إن أنشدتها إياه قال: ما تؤئر قال: مائة درهم وعشرة أقفرة حنطة فدخل إلى الوزير وقال له: قد أنعمت علي بما تقصر شكري عنه وقد حسدني قوم على قربي منك وقالوا أبياتًا على لساني فيك فأخاف أن تصدق ذلك إذا سمعته فقال: لا تخف فما الأبيات فأنشده إياه فضحك وخرج فكتب له أبو علي بالدراهم والحنطة على وكيله فدافعه فكتب إليه: أيها السيد الكريم الجليل هل إلي نظرة إليك سبيل فأنا جيك باشتكاء وكيل ليس حسبي وليس نعم الوكيل مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة أصابه مرض حاد فتوفي لثمان بقين من ربيع الأول عن ثلاث وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يومًا وكانت مدة إمارته خمس سنين وشهرًا وخمسة وعشرين يومًا. فمن الحوادث فيها: إن الأصفهلارية وردوا إلى بغداد فراسلوا العيارين وكانوا قد كثروا بالانصراف عن البلد فلم يلتفتوا إلى هذه المراسلة وخرجوا إلى مضارب الأصفهلارية وصاحوا وشتموا ووقعت حرب طول النهار وأصبح الجند على غيظ وحنق فلبسوا السلاح وضربوا الدبادب كما يفعل في الحرب ودخلوا الكرخ ووقعت النار فاحترق من الدقاقين إلى النحاسين وبعض باب المساكين وسائر الأبواب التي كانوا يتحصنون بها ونهبت الكرخ في هذا اليوم وهو يوم الأحد لعشر بقين من المحرم وأخذ الشيء الكثير من القطيعة ودرب رياح وفيه كانت دار أبي يعلى ابن الموصلي رئيس العيارين وأخذ من درب أبي خلف الأموال خص بها من دار ابن زيرك البيع وقلعت الأبواب من درب عون وسائر أسواق الكرخ السالمة من الحريق وأصبح الناس في اليوم الثالث على خطة صعبه وكان ما انتهبه العوام من غير أهل الكرخ أكثر مما نهبه الأتراك ومضى المرتضى مستوحشًا مما جرى إلى دار الخلافة فانحدر الأصفهلارية وسألوا التقدم إليه بالرجوع فخلع عليه ثم تقدم إليه بالعود ثم حفظت المحال واشيعت المصادرات وقرر على الكرخ مائة ألف دينار. وفي ربيع الآخر: شهد أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري عند قاضي القضاة ابن أبي الشوارب بعد أن استتابه عما ذكر عنه من الاعتزال. وجاء في هذه السنة برد لم يعهد مثله منذ يوم الثلاثاء سلخ شوال وإلى يوم الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة على الدوام وجمد الماء طول هذه المدة ثخينا حتى في حافات دجلة والأنهار الواسعة وأما السواقي ومجاري الماء فإنها كانت تجمد طولًا وعرضًا وقاسى الناس من هذا شدة وامتنع الكثير منهم من التصرف والحركة وتأخرت الزيادة في دجلة والفرات وامتنع المطر فوقفت العمارة فلم يزرع في السواد إلا القليل. وفي هذه السنة: اعتقل جلال الدولة أبا سعد بن ماكولا وزيره واستوزر ابن عمه أبا علي بن ماكولا. وتأخر الحاج الخراسانية في هذه السنة وبطل الحج من خراسان والعراق. أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك أبو الحسن القريشي الأموي ابن أبي الشوارب ولي قضاء البصرة قديمًا ثم قضاء القضاة بعد أبي محمد الأكفاني في ثالث من شعبان سنة خمس وأربعمائة ولم يزل على القضاء إلى حين وفاته وكان عفيفًا نزهًا وقد سمع من أبي عمر أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: حدثني القاضي أبو العلاء الواسطي قال: إن المتوكل دعا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وأحمد بن المعدل وإبراهيم التميمي من البصرة وعرض على كل واحد منهم قضاء القضاة فاحتج محمد بن عبد الملك بالسن العالية وغير ذلك واحتج أحمد بن المعدل بضعف البصر وغير ذلك وامتنع إبراهيم التميمي فقال: لم يبق غيرك وجزم عليه فولي فنزل حال إبراهيم التميمي عند أهل العلم وعلت حالة الآخرين. قال أبو العلاء: فيرى الناس أن بركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده فولي منهم أربعة وعشرون قاضيًا منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة وآخرهم أبو الحسن أحمد بن محمد وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة وشرفًا. أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا الخطيب قال: حدثني القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري قال: كان بيني وبين القاضي أبي الحسن ابن أبي الشوارب بالبصرة أنس كثير وامتزاج شديد حتى كان يعدني ولدًا وأعده والدًا فما علمت له سرًا قط أو ظهر عليه ما استحيى منه وكان بالبصرة رجل من وجوهها واسع الحال كثير المال جدًا يعرف بابن نصر بن عبدويه فقال لي وقد دخلت عائدًا له في علة الموت في صدري سر وأريد إطلاعك عليه لما ولي القاضي أبو الحسن بن أبي الشوارب القضاء بالبصرة في أيام بهاء الدولة وكان بيني وبينه من المودة ما شهرته تغني عن ذكره مضيت إليه وقلت له: قد علمت أن هذا الأمر الذي تقلدته يحتاج فيه إلى مؤن كثيرة وأمور لا يقدر عليها وقد أحضرتك مائتي دينار وتعلم أنني ممن لا يطلب قضاء ولا شهادة ولا بيني وبين أحد خصومه احتاج إليها في الترافع إليك وإن حدث بي حدث اقتضى الترافع إليك فبالله عليك إلا حكمت علي في ذلك فما يجب على يهودي لو كان في موضعي وأسألك أن تقبض مني هذه الدنانير تستعين بها على أمرك فإن قبلتها بسبب المودة التي بيننا فأنت في حل منها في الدنيا والآخرة وإن أبيت قبولها على هذا الوجه فهي قرض لي عليك فقال: أعلم أن الأمر كما ذكرته ووالله أني لمحتاج إليها ولكن لا يراني الله قبلت إعانة على هذا الأمر وأسألك بالله إن أطلعت أحدًا على هذا السر ما دمت في الدنيا فوالله ما ذكرت لأحد قبل هذا الوقت. قال ابن حبيب: ومات من يومه ذلك توفي ابن أبي الشوارب في شوال هذه السنة. إبراهيم بن عبد الواحد بن محمد بن الحباب أبو القاسم الدلال سمع محمد بن عبد الله الشافعي وغيره وكان ثقة يسكن الجانب الشرقي وتوفي في صفر هذه السنة. أبو مسلم الختلي سمع ابن بطة ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الإسفرائيني وكان ثقة فاضلًا دينًا وتوفي في رمضان هذه السنة. عبد الله بن جعفر أبو سعد ابن باكويه وزر لجلال الدولة أبي طاهر واعتقله ومات في اعتقاله في هذه السنة وكان أديبًا شاعرًا. عمر بن أحمد بن إبراهيم أبو حازم الهذلي النيسابوري ابن عبدويه سمع إسماعيل بن نجيد وأبا بكر الإسماعيلي وخلقًا كثيرًا روى عنه محمد بن أبي الفوارس والتنوخي وأبو بكر الخطيب وكان ثقة صادقًا عارفًا حافظًا سمع الناس بإفادته وكتبوا بانتخابه وتوفي في عيد الفطر من هذه السنة. عمر بن أحمد بن عثمان أبو حفص البزاز العكبري ولد سنة عشرين وثلثمائة. سمع النقاش وكان ثقة مقبول الشهادة عند الحكام وتوفي في هذه علي بن أحمد بن عمر بن حفص أبو الحسن المقرئ ابن الحمامي ولد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وسمع أبا عمر وابن السماك والنجاد والخلدي وخلقًا كثيرًا وكان صدوقًا دينًا فاضلًا حسن الاعتقاد وتفرد بأسانيد القراآت وعلوها في وقته وكان ينزل سوق السلاح من دار المملكة. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني نصر بن إبراهيم الفقيه قال: سمعت سليم بن أيوب الرازي يقول: سمعت أبا الفتح بن أبي الفوارس يقول: لو رحل رجل من خراسان ليسمع كلمة من أبي الحسن الحمامي أو من أبي أحمد الفرضي لم تكن رحلته ضائعة عندنا. توفي أبو الحسن الحمامي رابع عشرين من شعبان هذه السنة عن تسع وثمانين سنة ودفن بمقبرة باب حرب. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مشاذي أبو الحسن الهمذاني أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: كتبت عنه عند رجوعه من الحج محمد بن أحمد بن الحسن بن الحسن بن إسحاق أبو الحسن البزاز أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: محمد بن أحمد أبو الحسن البزاز سمع بمكة من عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي وأحمد بن محبوب الفقيه كتبنا عنه بعد أن كف بصره وكان ثقة وتوفي في سنة سبع عشرة وأربعمائة. فمن الحوادث فيها: أنه في آخر نهار الخميس العاشر من ربيع الآخر جاء برد كبار بنواحي قطربل والنعمانية والنيل وأثر غلات هذه النواحي وقتل كثيرًا من الوحش والغنم وقيل: أنه كان في البردة منه ما وزنه رطلان وأكثر. وجاء في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من هذا الشهر في مدينة السلام برد كبير كقدر البيض وأكبر بعد مطر متصل. وورد الكتاب من واسط بأنه سقط من البرد ما كان وزن الواحدة منه أرطالًا فهلكت الغلات ولم يصح منها إلا الأقل. وفي ربيع الآخر: قصد الإصفهلارية والغلمان دار الخليفة وراسلوه بأنك أنت مالك الأمور وقد كنا عند وفاة الملك مشرف الدولة اخترنا جلال الدولة تقديرًا منا أنه ينظر في أمورنا فأغفلنا فعدنا إلى أبي كاليجار ظنًا منه أنه يحقق ما يعدنا به فكنا على أقبح من الحالة الأولى ولا بد لنا من تدبير أمورنا فخرج الجواب بأنكم أبناء دولتنا وأول ما نأمركم به أن تكون كلمتكم واحدة وبعد فقد جرى الأمر من عقد الأمر لأبي طاهر ثم نقضه ثم ساعدناكم عليه وفيه قبح علينا وعليكم ثم عقدتم لأبي كاليجار عقدًا لا يحسن حله من غير روية ولبني بويه في رقابنا عهود لا يجوز العدول عنها والوجه أن تدعونا حتى نكاتب أبا كاليجار ونعرف ما عنده ثم كوتب أنك إن لم تتدارك الأمر خرج عن اليد ثم آل الأمر أن عادوا وسألوا التقدم بالخطبة لجلال الدولة أبي طاهر وأقيمت الخطبة له. وكتب الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتابًا يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند وكسره الصنم المعروف بسومنات وكان في كتابه أن أصناف الخلق افتتنوا بهذا الصنم وربما اتفق برؤ عليل يقصده وكانوا يأتونه من كل فج عميق ويتقربون إليه بالأموال الكثيرة حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية مشهورة في تلك البقاع وامتلأت خزانته بالأموال ورتب له ألف رجل للمواظبة على خدمته وثلثمائة يحلقون حجيجه وثلثمائة وخمسون يرقصون ويغنون على باب الصنم وقد كان العبد يتمنى قلع هذا الوثن فكان يتعرف الأحوال فتوصف له المفاوز إليه وقلة الماء واستيلاء الرمل على الطرق فاستخار العبد الله عز وجل في الانتداب لهذا الواجب ومثل في فهمه أضعاف المسموع من المتاعب طلبًا للثواب الجزيل. ونهض العبد في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس اختارهم سوى المطوعة ففرق العبد في المطوعة خمسين ألف دينار ليستعينوا على أخذ الآهبة ثم مضى العبد في مفازة أصعب مما وصف وقضى الله سبحانه الوصول إلى بلد الصنم وأعان حتى ملك البلد وقلع الوثن وأوقدت عليه النار حتى تقطع وقتل خمسون ألف من سكان البلد. وفي يوم السبت ثالث رمضان: دخل جلال الدولة إلى دار المملكة بعد أن خرج الخليفة ليلقيه قبل ذلك بساعة فاجتمعا في دجلة ونزل الخليفة من داره في الطيار بين سرادقين مضروبين ومعه الأمير أبو جعفر وأبو الحسن علي بن عبد العزيز والمرتضى أبو القاسم الموسوي ونظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي والمصطنع أبو نصر منصور بن رطاس الحاجب وانحدر إلى أن قرب من مضرب الملك جلال الدولة فخرج إليه في زبزبه وصعد فقبل الأرض دفعات وجلس بين يديه على كرسي طرح له وسأله عن أخباره وعرفه أنه بقرب داره فشكر ودعا وعاد إلى الزبزب فوقف فيه فتقدم إليه الخليفة بالجلوس فجلس وتبع الطيار على سبيل الخدمة إلى أن عبر إلى درجة دار الخليفة وصعد الملك من الزبزب وجلس في خيمة لطيفة ضربت له على شاطئ دجلة بقرب قصر عيسى ثم مضى إلى دار المملكة وتقدم بأن يضرب له الطبل على بابها في أوقات الصلوات الخمس على مثل ما كان سلطان الدولة فعله عند وروده وغيره مشرف الدولة بعده ورده إلى الرسم وهو في أوقات الصلوات الثلاث وعلى ذلك جرت العادة في أيام عضد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها فثقل ما فعله على الخليفة لأنه مساواة له وراسل في معناه فاحتج بما فعله سلطان الدولة فقيل ذلك على غير أصل ومن غير إذن ولم تجر العادة بمماثلة الخليفة في هذا الأمر ثم تردد الرسائل ما انتهى إلى أن قطع الملك ضرب الطبل في الواحدة فأذن الخليفة في ضرب الطبل في أوقات الصلوات الخمس. وفي هذه السنة: حلف جلال الدولة لجنوده على الوفاء والصفاء وحلف لأمير المؤمنين أيضًا على المخالصة والطاعة. وفي يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال وهو التاسع والعشرين من تشرين الثاني: هبت ريح من الغرب باردة ودام البرد إلى يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة فجاوز العادة وجمدت منه حافات دجلة وجمد الخل والنبيذ وأبوال الدواب ورئيت ناعورة قد وقفت لجمود الماء وقد صار الماء في أنقابها كالعمود وقلد أبو طاهر بن جماد واسطًا والبطيحة ولقب عميد الحضرة ذا الرتبتين. وفي هذه السنة: زاد الأمر في نقض دار معز الدولة بباب الشماسية وكان معز الدولة قد بنى هذه الدار بناء صرف إليه عنايته فعظم المجالس وفخم البناء ووصل بها من الإصطبلات ما يسع ألوفًا من الكراع وجعل على كل إصطبل بابًا من حديد وأنفق عليها اثني عشر ألف ألف درهم قيمتها ألف ألف دينار سوى ما كان يجلب من معادن الجص والنورة والإسفيذاج ولم يعمل من مسناتها إلا البعض لأنه أراد أن يصل المسناة بمسناة دار الصيمري فعاجلته المنية فلما توفي جعلها ولده عز الدولة دار الموكب وكان لا يحضرها إلا عند البروز للعسكر وكانت داره التي ينزلها الدار الغربة التي كانت للمتقي لله وتجددت دولة بعد دولة ودار المعز مهجورة فلما عمر بهاء الدولة داره بسوق الثلاثاء التي كانت معروفة بمونس فسح في أخذ شيء من آجر الإصطبلات فدب الخراب فيها وبعث بهاء الدولة لقلع السقف الساج المذهب من بيت المائدة وكانت قد أنفقت عليه أموال عظيمة فحمله إلى مهرويان ليحوله إلى دار المملكة بشيراز فلم يتم ذلك وبقي موضعه فهلك وبذل في ثمنه من يحك ذهبه ثمانية آلاف دينار فلم يقبل الرجل ثم وتأخر في هذه السنة الحاج الخراسانية ولم يحج من خراسان والعراق أحد من الناس. أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو عبد الله الشاهد خطب في جامع المنصور في سنة ست وثمانين وثلثمائة وكان يخطب خطبة واحدة كل جمعة لا يغيرها وإذا سمعها منه الناس ضجوا بالبكاء وخشعوا لصوته توفي في هذه السنة. الحسين بن علي بن الحسين أبو القاسم المغربي الوزير ولد بمصر في ذي الحجة سنة سبعين وثلثمائة وهرب منها حين قتل صاحبها أباه وعمه وقصد مكة ثم الشام ثم بغداد فوزر لمشرف الدولة بعد أبي على الرخجي وكان كاتبًا عالمًا يقول الشعر الحسن ثم وزر بعد ذلك لابن مروان بديار بكر ومات عنده قال أبو غالب بن بشران الواسطي: رويت له أن بعض الحكماء قال لبنيه: تعلموا العلم فلأن يذم الزمان لكم خير من أن يذم بكم ففكر ساعة وكتب: ووجدت عقل المرء قيمة نفسه وبجده جدواه أو حرمانه فإذا جفاه المجد عيبت نفسه وإذا جفاه الجد عيب زمانه ومن شعره المستحسن ما أنبأنا به أبو القاسم السمرقندي قال: أنشدنا أبو محمد التميمي للوزير أبي القاسم المغربي: وما ظبية أدماء تحنو على الطلا ترى الأنس وحشا وهي تأنس بالوحوش غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه فلم تلق شيئًا من قوائمه الحمش فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت سباع الفلا ينهشه أي ما نهش بأوجع مني يوم ظلت أنامل تودعني بالدر من شبك النقش وأجمالهم تمشي وقد خيل الهوى كأن مطاياهم على ناظري تمشي وأعجب ما في الأمر ان عشت بعدهم على أنهم ما خلفوا في من بطش وكان المغربي إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو والنحوي سأله عن الفرائض أو الشاعر سأله عن القرآن قصدا ليسكتهم فدخل عليه شيخ معروف فسأله عن العلم فقال: ما أدري ولكني رجل يودعني الغريب الذي لا أعرفه الأموال العظيمة ويعود بعد سنين وهي بختومها فأخجله بذلك وآل الأمر إلى أن زار رجلًا من الصالحين المنقطعين إلى الله تعالى فقال: لو إذا شئت أن تحيا غنيًا فلا تكن بمنزلة إلا رضيت بدونها فأنا أكتفي بعيشي هذا فقال: يا شيخ ما هذا بيت شعر هذا بيت مال ثم قال: أللهم أغنيت هذا الشيخ واعتزل السلطان فقيل له: لو تركت المناصب في عنفوان شبابك فقال: كنت في سفرة البطالة والجهل زمانًا فحان مني قدوم تبت من كل مأثم فعسى يمحى بهذا الحديث ذاك القديم بعد خمس وأربعين لقد ما طلت إلا أن الغريم كريم ولما أحس بالموت كتب كتابًا إلى من يصل إليه من الأمراء والرؤساء الذين من ديار بكر والكوفة يعرفهم أن حظية له توفيت وأن تابوتها يجتاز بهم إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام وخاطبهم في المراعاة لمن يصحبه ويخفره وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته وأن ينطوي خبره فتم له ذلك. وتوفي في رمضان بميافارقين عن ست وأربعين سنة وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن هناك. أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا عبد المحسن بن محمد قال: حدثني أبو منصور محمد بن علي الواسطي قال: حدثني الأمير منتخب الملل قال: كان ابن المغربي مختفيًا بالقاهرة والسلطان يطلب دمه وكان بمصر صبي أمرد مما انتهى الحسن إليه في زمانه وكان يشتهي أن يراه فخبر أنه يسبح في الخليج فخرج وغرر بنفسه ونظر إليه فقال: علمت منطق حاجيه والين عشر رايته وعرفت آثار النعيم بقبلة من عارضيه ها قد رضيت من الحياة بأسرها نظري إليه ولقد أراه في الخليج يشقه من جانبيه والموج مثل السيف وهو فرنده في صفحتيه لا تشربوا من مائه أبدًا ولا تردوا عليا قد ذات مننه السحر من حركاته وحنيته مكانه في الموج قلبي بر شواقي إليه محمد بن إسحاق ابن الطل ابن وائل أبو بكر الأزدي الأنباري سمع أحمد بن يعقوب القرنجلي أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: حدثني الصوري أنه سمع منه بالأنبار في سنة ثمان عشرة وأربعمائة ومات في تلك السنة. محمد بن الحسين بن إبراهيم بن محمد أبو بكر الوراق ابن الخفاف حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي وغيره. أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ أخبرنا محمد بن الحسين الخفاف عن جماعة كثيرة لا تعرف ذكر أنه كتب عنهم في السفر وكان غير ثقة لا شك أنه كان يركب الأحاديث ويضعها على من يرويها عنه ويختلق أسماء وأنسابًا عجيبة وعندي عنه من تلك الأباطيل أشياء وكنت عرضت بعضها على هبة الله بن الحسن الطبري فخرق كتابي بها وجعل يعجب مني كيف أسمع منه توفي الخفاف في ذي الحجة من هذه السنة. هبة الله بن الحسن بن منصور أبو القاسم الرازي طبري الأصل الألكاني سمع عيسى بن علي بن عيسى الوزير والمخلص وخلقًا كثيرًا. ودرس الفقه على مذهب الشافعي عند أبي حامد الاسفرائيني وكان يفهم ويحفظ وصنف كتبًا وأدركته المنية قبل أن ينتشر عنه شيء فتوفي بالدينور في رمضان هذه السنة. أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: حدثني علي بن الحسين بن جداء العكبري قال: رأيت أبا القاسم الطبري في المنام فقلت له: ما فعل الله بك قال: غفر لي قلت: بماذا فكأنه قال كلمة خفية بالسنة. أبو القاسم بن القادر بالله توفي ليلة الأحد لليلة خلت من جمادى الآخرة وصلى عليه أخوه أبو جعفر ومشى الناس بين يدي جنازته من رأس الجسر إلى التربة بالرصافة وأعاد الصلاة عليه أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر وقطع ضرب الطبل في دار الخلافة أيامًا لأجل المصيبة ولحق الخليفة عليه من الحزن أمر عظيم. أبو الحسن ابن طباطبا الشريف له شعر مليح ومنه أن رجلًا كتب إليه فأجابه على ظهر رقعته فقال: وقرأت الذي كتبت وما زال نجيبي ومؤنسي وسميري وغدا الفال بامتزاج السطور حاكمًا بامتزاجنا في الضمير واقتران الكلام لفظًا وخطًا شاهد باقتران ود الصدور وتبركت باجتماع الكلامي ن رجاء اجتماعنا في سرور وتفاءلت بالظهور على الواش ي فصارت إجابتي في الظهور توفي في ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله. فمن الحوادث فيها: أن الغلمان اجتمعوا يوم الأحد ثاني عشر المحرم وتحالفوا على اتفاق الكلمة وأخرجوا الخيم وأخرجوا أكابر الأصفهلارية معهم فخرجوا يوم السبت ثامن عشر المحرم ثم أنفذوا يوم الأحد جماعة إلى دار الخلافة برسالة يقولون فيها: نحن عبيد أمير المؤمنين وهذا الملك متوفر على لذاته لا يقوم بأمورنا ونريد أن توعز إليه بالعود إلى البصرة وإنفاذ ولده ليقيم بيننا نائبًا عنه في مراعاتنا فأجيبوا ووعدوا بمراسلة جلال الدولة وأنفذ إليه المرتضى وأبو الحسن الزينبي وأبو نصر المصطنع برسالة تتضمن ما قالوه فقال: كل ما ذكروا من اغفالنا لهم صحيح ونحن معتذرون عفا الله عما سلف ونحن نستأنف الطريقة التي تؤدي إلى مرادهم فلما بلغهم ذلك قالوا: فإذا نحن مطيعون إلا أننا نريد ما وعدنا به عاجلًا قبل دخولنا إلى منازلنا ثم تقرر القواعد بعد ذلك وأخرج من المصاغ والفضة أكثر من مائة ألف درهم فلم يرضهم وباكروا فنهبوا دار الوزير أبي علي بن ماكولا وبعض دور الأصحاب والحواشي وعظمت الفتنة وخرقت الهيبة ومد أقوام أيديهم إلى دور العوام ووكلوا جماعة منهم بأبواب دار المملكة ومنعوا من دخول الطعام والماء فضاق الأمر على من في الدار حتى أكلوا ما في البستان وشربوا من الآبار فخرج الملك ودعا قومًا من الموكلين بالأبواب فلم يأتوا فكتب رقعة إلى الغلمان: بأني أرجع عن كل ما أنكرتموه وأعطيكم فقالوا أعطيتنا ملء بغداد لم تصلح لنا ولم نصلح لك فقال: إذ كرهتموني فمكنوني من الفقال: إذ كرهتموني فمكنوني من الانحدار واستقر الأمر على انحداره وابتيع له زبزب شعث فقال: يكون نزولي بالليل فقالوا: لا بل الآن والغلمان يرونه قائمًا فلا يسلمون عليه ويدعوهم فلا يجيبونه فحمل قوم من الغلمان على السرادق فظن أنهم يريدون الحرم فخرج وفي يده طبر وقال: قد بلغ الأمر إلى الحرم فقال بعضهم: ارجع إلى دارك فإنك ملكنا وصاحوا: جلال الدولة يا منصور وانتضيت السيوف وترجلوا وقبلوا الأرض وأخرج المصاغ حتى حلي النساء فصرفه إليهم وأخرج الثياب والفروش والآلات الكثيرة فلم يف ببعض المقصود ثم اجتمعوا عند الوزير وهموا بقتله فقال: لا ذنب له وأخرجت الآلات فبيعت وكان فيها كيس وسفرة وطست. وقد ذكرنا ما جرى على النخل في السنة الماضية من البرد والريح فلما جاءت هذه السنة عدم الرطب إلا ما يجلب من بعد فبيع كل ثلاثة أرطال بدينار جلالي واشتد البرد فجمدت حافات دجلة ووقفت العروب بعكبرا عن الدوران لجمود ما حولها وهلك ببغداد من النخل عشرات ألوف. وتأخر في هذه السنة ورود الحاج من خراسان وبطل الحج من العراق والبصرة وتأخر عنه أهل الحسين بن الحسن بن يحيى أبو عبد الله العلوي النهرسابسي كتب عنه أبو بكر الخطيب وكان صدوقًا قال: وسألته عن مولده فقال: ولدت بالكوفة سنة تسع وعشرين وثلثمائة ومات بواسط في جمادى الآخرة من هذه السنة.حمزة بن إبراهيم أبو الخطاب اتصل ببهاء الدولة بعلمه النجوم وبلغ منزلة لم يبلغها أمثاله وكان الوزراء يتبعونه وحمل إليه فخر الملك ابن خلف لما فتح قلعة سابور مائة ألف دينار فاستقلها وعاتبه فآل أمره إلى أن مات بكرخ سامرا غريبًا مفلوجًا وذهب ماله وجاهه. محمد بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن التاجر ابن مخلد سمع إسماعيل بن محمد الصفار ومحمد بن عمر الرزاز وعمر بن الحسن الشيباني وهو آخر من حدث عنهم وسمع أبا عمر وابن السماك وأحمد بن سليمان النجاد وجعفر الخلدي وغيرهم ولم يكن بقي أعلى إسنادًا منه وكانت له معرفة بشيء من الفقه وكان ذا حال ونعمة وعرضت عليه الشهادة فأباها وأشفق من المصادرة فخرج إلى مصر فأقام بها سنة ثم عاد فالزم في التقسيط على الكرخ الذي وقع في سنة سبع عشرة ما أفقره حتى أنه توفي في ربيع الأول من هذه السنة ولم يكن عنده كفن فبعث القادر بالله أكفانه من عنده. مبارك الأنماطي كان له مال عظيم وجاه كثير فتوفي بمصر وخلف ما يزيد على ثلثمائة ألف دينار فترك جميع ذلك على بنت كانت ببغداد. أبو الفوارس بن بهاء الدولة توفي بكرمان فنادى أصحابه بشعار ابن أخيه أبي كاليجار وكان أبو الفوارس ظالمًا كان إذا سكر ضرب أصحابه وضرب وزيره في بعض الأيام مائتي مقرعة وأحلفه بالطلاق أنه لا يتأوه ولا يخبر بذلك أحدًا فقيل إن حواشيه سموه ودفنوه بشيراز. محمد باشاذ وزر لأبي كاليجار فلقبه معز الدين فلك الدولة سيد الأمة وزير الوزراء عماد الملك ثم أبو عبد الله بن التبان المتكلم توفي في هذه السنة. فمن الحوادث فيها: أنه انحدر ذو البراعتين أحمد بن محمد الواسطي إلى البصرة واليًا عليها في محرم هذه السنة. وورد الخبر لسبع خلون من ربيع الآخر: بأن مطرًا ورد بنواحي النعمانية ومعه برد كبار في بردة أرطال وذكر أنه ورد بنواحي دير العاقول مطر معه برد وزن الواحدة منها خمسة دراهم وأقل وارتفعت بعده ريح سوداء فقلعت كثيرًا من أصول الزيتون العاتية العتيقة وعبرت بها من شرقي النهروان إلى غربيه وطرحتها على بعد وقلعت الريح نخلة من أصلها ثم حملت جذعها إلى دار بينها وبينها ثلاث دور وقلعت الريح سقف مسجد الجامع ببعض القرى وشوهد من البرد ما يكون في الواحدة ما بين الرطل إلى الرطلين ووجدت بردة عظيمة الحجم يزيد وزنها على مائة رطل فحزرت بمائة وخمسين رطلًا وكانت كالثور النائم وقد نزلت في الأرض نحوًا من وورد إلى الخليفة كتاب من الأمير يمين الدولة أبي القاسم محمود وكان فيه سلام على سيدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين فإن كتاب العبد صدر من معسكره بظاهر الري غرة جمادى الآخر سنة عشرين وقد أزال الله عن هذه البقعة أيدي الظلمة وطهرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة وقد تناهت إلى الحضرة المقدسة حقيقة الحال في ما قصر العبد عليه سعيه واجتهاده من غزو أهل الكفر والضلال وقمع من نبغ ببلاد خراسان من الفئة الباطنية الفجار وكانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها وإعلانهم بالدعاء إلى كفرهم فيها يختلطون بالمعتزلة المتبدعة والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة يتجاهرون بشتم الصحابة ويسرون اعتقاد الكفر ومذهب الإباحة وكان زعيمهم رستم بن علي الديلمي فعطف العبد عنانه بالعساكر فطلع بجرجان وتوقف بها إلى انصراف الشتاء ثم دلف منها إلى دامغان ووجه عليًا لحاجب في مقدمة العسكر إلى الري فبرز رستم بن علي من وجاره على حكم الاستسلام والاضطرار فقبض عليه وعلى أعيان الباطنية من قواده. وطلعت الرايات أثر المقدمة بسواد الري غدوة الإثنين السادس عشر من جمادى الأولى وخرج الديالمة معترفين بذنوبهم شاهدين بالكفر والرفض على نفوسهم فرجع إلى الفقهاء في تعرف أحوالهم فاتفقوا على أنهم خارجون عن الطاعة وداخلون في أهل الفساد مستمرون على العناد فيجب عليهم القتل والقطع والنفي على مراتب جناياتهم وإن لم يكونوا من أهل الإلحاد فكيف واعتقادهم في مذاهبهم ولا يعدو ثلاثة أوجه تسود بها الوجوه في القيامة التشيع والرفض والباطن وذكر هؤلاء الفقهاء أن أكثر القوم لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يعرفون شرائط الإسلام ولا يميزون بين الحلال والحرام بل يجاهرون بالقذف وشتم الصحابة ويعتقدون ذلك ديانة والأمثل منهم يتقلد مذهب الاعتزال والباطنية منهم لا يؤمنون بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأنهم يعدون جميع الملل مخاريق الحكماء ويعتقدون مذهب الإباحة في الأموال والفروج والدماء وحكموا بأن رستم بن علي كان يظهر التستر ويتميز به عن سلفه إلا أن في حبالته زيادة على خمسين امرأة من الحرائر ولدن ثلاثة وثلاثين نفسًا من الذكور والإناث وحين رجع إليه في السؤال عن هذه الحال وعرف أن من يستجيز مثل هذا الصنيع مجاوز كل حد في الاستحلال ذكر أن هذه العدة من النساء أزواجه وأن أولادهن أولاده وأن الرسم الجاري لسلفه في ارتباط الحرائر كان مستورًا على هذه الجملة وأنه لم يخالف عاداتهم في ارتكاب هذه الخطة وأن ناحية من سواد الري قد خصت بقوم من المزدكية يدعون الإسلام بإعلان الشهادة ثم يجاهرون بترك الصلاة والزكاة والصوم والغسل وأكل الميتة فقضى الانتصار لدين الله تعالى بتميز هؤلاء الباطنية عنهم فصلبوا على شارع مدينة طالما تملكوها غضبًا واقتسموا أموالها نهبًا وقد كانوا بذلوا أموالًا جمة يفتدون بها نفوسهم فعرفوا أن الغرض نهب نفوسهم دون العرض وحول رستم بن علي وابنه وجماعة من الديالمة إلى خراسان وضم إليهم أعيان المعتزلة والغلاة من الروافض ليتخلص الناس من فتنتهم ثم نظر فيما اختزنه رستم بن علي من الأثاث فعثر من الجواهر ما يقارب خمسمائة ألف دينار ومن النقد على مائتين وستين ألف دينار ومن الذهيبات والفضيات على ما بلغ قيمة ثلاثين ألف دينار ومن أصناف الثياب على خمسة آلاف وثلثمائة ثوب وبلغت قيمة الدسوت من النسيج والخزوانيات عشرين ألف دينار ووقف أعيان الديلم على مائتي ألف دينار وحول من الكتب خمسون حملًا ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنها أحرقت تحت جذوع المصلبين إذ كانت أصول البدع فخلت هذه البقعة من دعاة الباطنية وأعيان المعتزلة والروافض وانتصرت السنة فطالع العبد بحقيقة ما يسره الله تعالى لأنصار الدولة القاهرة. وفي وقت عتمة ليلة الثلاثاء لعشر بقين من رجب انقض كوكب عظيم أضاءت منه الأرض وكان له دوي كدوي الرعد وتقطع أربع قطع وانقض في ليلة الخميس بعده كوكب آخر دونه وانقض في ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من الشهر كوكب ثالث أكبر من الأول وأكثر إضاءة وانتشار شعاع. وفي شعبان اضطرب البلد وكثرت العملات وكبس العيارون عدة محال منه وضعفت رجالة المعونة. وفي يوم الإثنين الثامن عشر من هذا الشهر غار الماء من الفرات غورًا شديدًا وجزرت فوهة نهر الرفيل وانقطع الماء عنه ووقفت الأرحاء التي عليه وتعذرت الطحون وبلغت أجرة الكارة في طحنها ثلاث دنانير كنية قيمتها دينار وكانت الركينة نصفًا من المس ثم صارت مسًا واحدة. وفي هذا اليوم: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة وقرئ عليهم كتاب طويل عمله الخليفة القادر بالله يتضمن الوعظ وتفضيل مذهب السنة والطعن على المعتزلة وإيراد الأخبار الكثيرة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. وفي يوم الخميس لعشر بقين من شهر رمضان: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة وقرأ عليهم أبو الحسن بن حاجب النعمان كتابًا طويلًا عمله الخليفة القادر بالله وذكر فيه أخبارًا من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وما روي عنه في عدة أمور من الدين وشرائعه وخرج من ذلك إلى الطعن على من يقول بخلق القرآن وتفسيقه وحكاية ما جرى بين عبد العزيز وبشر المريسي فيه ثم ختم القول بالوعظ والأمر وفي يوم الإثنين غرة ذي القعدة: جمع القضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة وقرئ عليهم كتاب طويل جدًا يتضمن ذكر أبي بكر وعمر وفضائلهما ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم والطعن على من يقول بخلق القرآن وأعيد فيه ما جرى بين بشر المريسي وعبد العزيز المكي في ذاك ويخرج من هذا الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقام الناس إلى بعد العتمة حتى استوفيت قراءته ثم أخذت خطوطهم في آخره بحضورهم وسماع ما سمعوه. وكان يخطب في جامع براثا من يذكر في خطبته مذهبًا فاحشًا من مذاهب الشيعة فقبض عليه في دار الخلافة وتقدم يوم الجمعة التاسع عشر من ذي القعدة إلى أبي منصور بن تمام الخطيب ليخطب بدلًا عن الخطيب الذي كان مرسومًا به فلما صعد المنبر دقه بعقب سيفه على ما جرت به العادة والشيعة تنكر ذلك وخطب خطبة قصر فيها عما كان يفعله من تقدمه في ذكر علي بن أبي طالب وختم قوله بأن قال: اللهم اغفر للمسلمين ومن زعم أن عليًا مولاه فرماه العامة حينئذ بالآجر ودموا وجهه ونزل من المنبر ووقف المشائخ دونه حتى صلى ركعتي الجمعة خفيفة وعرف الخليفة ذلك فغاظه واحفظه وخرج أمره باستدعاء الشريفين أبي القاسم المرتضى وأبي الحسن الزينبي نظام الحضرتين محمد بن علي والقاضي أبي صالح وأمر بمكاتبة الحضرة الملكية والوزير أبي علي ابن ماكولا والأصبهلارية في هذا المعنى بما تقام الصحبة "بسم الله الرحمن الرحيم إذا بلغ الأمر أطال الله بقاء صاحب الجيش إلى الجرأة على الدين وسياسة الدولة والمملكة ثبتها الله من الرعاع والأوباش فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية وبغير شك أنه قد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية من مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة ومن قد تبرأ الله منه فصار أشبه شيء بمسجد الضرار وذلك أن خطيبًا كان فيه يجري إلى ما لا يخرج به عن الزندقة والدعوى لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما لو كان حيًا فسمعه لقتل قائله وقد فعل مثل ذلك في الغواة أمثال هؤلاء الغثاء الذين يدعون الله ما تكاد السموات يتفطرن منه فإن كان في بعض ما يورده هذا الخطيب قبحه الله بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة ومحيي الأموات البشري الإلاهي مكلم فتية أصحاب الكهف إلى غير ذلك من الغلو المبتدع الذي تقشعر منه الجلود ويتحرك من المسلمون وتنخلع قلوبهم ويرون الجهاد فيه كجهاد الثغر فلما ظهر ذلك قبض على الخطيب وأنفذ ابن تمام ليعتمد إقامة الخطبة القويمة فأورد الرسم الذي يطرق الأسماع من الخطبة ولم يخرج عن قوله: اللهم صل على محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين وذكر العباس وعليًا عليهما السلام ثم قال في التفاته المعهود عن يمينه: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إمام أئمة الهدى وعن يساره ألهم صل على محمد الشفيع المشفع في الورى وأقام الدعوتين الجليلتين ونزل فوافاه الآجر كالمطر فخلع كتفه وكسر أنفه وأدمى وجهه وهو لما به وأشيط بدمه لولا أنه كان هناك أربعة من الأتراك أيدهم الله فنفروا واجتهدوا في أن حموه لكان قد هلك وهذه هجمة على دين الله وفتك في شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاعة في ذكر الربوبية والحاجة صادقة والضرورة ماسة إلى أن يقصد الامتعاض البالغ في هذه الحال العظيمة الهائلة التي ارتكبها الكفرة الفجرة وأقدموا على ما أقدموا عليه وبقي التظافر على اقتناصهم وأخذ البريء بالسقيم وإباحة الدماء الواجب سفحها وكسر الأيدي والأرجل التي تجب إبانتها عن أجسادها والشد على أيدي أصحاب المعونة فيما يقصدونه من ذلك والعمل على ركوب الجم الغفير وجمهور كبراء العسكر أدام الله عزهم في يوم الجمعة الآتية ليكون الخطيب أيده الله في صحبتهم ويجري الأمر في الخطبة الإسلامية على تقويمها ورغم من رغم ولا يكون ذلك إلا بعد نكاية تظهر وتعم فإن هؤلاء الشيع قد درسوا الإسلام وقد بقيت منه بقية وإن لم يدفع هؤلاء الزنادقة المرتدة عن سنن الإسلام وإلا هدم وذهبت هذه البقية وله أدام الله تأييده سامي رأيه في الوقوف على ذلك والجري على العادة في كفاية هذا المهم وإجابتي عن هذه الرقعة بما أنهيه فيقع السكون إليه والاعتماد عليه إن شاء الله بعد فقد لحق تمامًا الخطيب في نفسه وولده ما ستنشر معرفته وقد انهتك محرمه ويحتاج أن يستدعي صاحب المعونة ليستكشف عن حقيقة الحال ومن الذي جنى هذه الجناية ويتعرف من الملاحين الذين في المشارع من أي جهة وردوا وإلى أين صاروا ويتعرف ذلك من حراس الدروب بعد الإرهاب الذي يعمل في مثله ويطالع بما ينتهي إليه الإجتهاد إن شاء الله. وكان الذي لحق الخطيب أنه كبسه نحو ثلاثين رجلًا في داره ليلة الإثنين بالمشاعل وأخذوا ما كان في داره وأعروه وأعروا ولده وحرمه وأشفق الوزير والاصفهلارية في الجمعة الثانية من حدوث فتنة بركوب الغلمان مع الخطيب فراسلوا أبا الحسن بن حاجب النعمان بالتوقف عن إنفاذه في هذا اليوم إلى أن تسكن الثورة وترتب لهذا الأمر قاعدة يؤمن معها الاختلاط والفساد فلم يحضر خطيب ولا أقيمت صلاة الجمعة في مسجد براثا وقد كان شيوخ الشيعة امتنعوا من حضوره وتأهب الأحداث والسفهاء للفتنة. وفي هذا الوقت كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي ومن معه من الدعار المتغربين من الأجمة بالأحمرية وكانوا يدخلون على الدار التي يعينون عليها من نقوب ينقبونها إليها فيصيح أهلها ويطلبون مغيثًا أو معينًا من الأتراك الذين يجاورونهم فلا يخرج أحد منهم من داره ولا يمتعض لما يجري في جواره وزاد الأمر بخلو الجانب الشرقي من ناظر في معونة ودخل على أبي بكر بن تمام الخطيب ومنزله ملاصق مسجد القهرمانة بإزاء دار المملكة فصاح واستغاث بالملك ودعاه باسمه فلما كان في ليلة السبت لثلاث بقين من ذي القعدة ارتفع الصياح ليلًا في جوار دار المملكة لأن هؤلاء الدعار قصدوا دارًا لبعض الأتراك وحاولوا الوصول إليها فنذر بهم وسمع الملك الصوت فركب في غلمانه وحواشيه وخرج إلى باب درب حماد فطلب القوم وخرج كثير من العامة يدعون له ويذكرون الأتراك بما يعجزونهم فيه فعاد إلى داره وتعدى الفساد من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي وكبست فيه دور وفتحت دكاكين وكبس جامع الرصافة ليلًا وأخذت ثياب من فيه واستؤذن الخليفة في تحويل آلات الجامع من الستور والقناديل فحولت إلى التربة بالرصافة. وفي يوم الخميس التاسع من ذي الحجة: حضر الأشراف والقضاة والشهود في دار الخلافة وقرئ عليهم عهد أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا بتقليده قضاء القضاة وخلع عليه ثم قرئ عهده بعد ذلك في جامع الرصافة وجامع المدينة. وفي يوم الجمعة الذي كان عيد النحر: خرج الناس والجند إلى ظاهر البلد بحضرة مسجد براثا فلم يحضر خطيب ولا حضر صاحب معونة فلما طال الانتظار قيل لأحد المؤذنين في الموضع تقدم فصل فتقدم وكبر في أول ركعة ما لم يضبط عدده حيرة ودهشًا وسجد قوم ولم يسجد قوم وكبر في الركعة الثانية تكبيرة أو تكبيرتين ووقعت الصيحة فظن أنها من فتنة فانزعج الناس واختلطوا وانقطعت الصلاة وكان سبب انقطاع الخطباء عن هذا الموضع ما سبق ذكره عن أبي منصور بن تمام الخطيب وغيظ الخليفة في أن لم يفعل مقابلة ذلك لما كتب وأمر به ثم اجتمع بعد هذا قوم من مشايخ أهل الكرخ فصاروا مع الشريف المرتضى إلى دار الخلافة فأحالوا على سفهاء الأحداث فيما جرى على الخطيب وسألوا الصفح عن هذه الجناية وأن لا يخلي عن هذا المسجد من المراعاة وإقامة الخطبة فيه فأقيم لهم خطيب وعادت الصلاة في مسجد براثا منذ يوم الجمعة غرة المحرم بعد أن عملت للخطيب نسخة يعتمدها فيما يخطب وإعفاءهم الخطيب من دق المنبر بعقب سيفه ومن قوله: " اللهم اغفر للمسلمين ومن اعتقد أن عليًا مولاه ". وفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة: ورد أبو يعلى الموصلي وجماعة من العيارين كانوا مقيمين باوانا وعكبرا فقتلوا خمسة من الرجالة وأصحاب المسالح وظهروا من الغد في الكرخ بالسيوف المسلولة وأظهروا أن كمال الدولة أبا سنان أنفذهم لحفظ البلد وخدمة السلطان فثار بهم أهل الكرخ فقتلوا وصلبوا. وفي هذه السنة: جند صاحب مصر جيشًا لقتال صالح بن مرداس صاحب حلب وبعث الجيش مع انوشتكين التزبري فكانت الواقعة عند شاطئ نهر الأردن فاستظهر التزبري وقتل الحسن بن أبي الهبيش ويكنى أبا علي كان من الزهاد المتعبدين ودخل عليه أبو القاسم ابن المغربي الوزير فقبل يده فقيل له: كيف قبلت يده فقال: كيف لا أقبل يدًا ما امتدت إلي قط إلا إلى الله تعالى. وحكى أبو عبد الله محمد بن علي العلوي قال: بت عنده ليلة فلم أتمكن من النوم لكثرة البق وهو واقف يصلي فلا أدري أمنع البق منه أم صبر عليه ورأيت مئزره قد انحل وسقط عن كعبية ثم استوى وعلا إلى سرته وهو واقف يصلي ولا ادري ارتفع المئزر أم طالت يده حتى أعادته. توفي في هذه السنة وقبره ظاهر بالكوفة وقد عمل عليه مشهد وقد زرته في طريق الحج. الحسين بن عبد الله بن أحمد بن الحسن ابن أبي علاثة أبي الفرج المقرئ تفقه في حداثته وقرأ بالقراآت وكتب الحديث الكثير وحدث عن الشافعي وغيره ثم في كبره علي بن عيسى بن الفرج بن صالح أبو الحسن الربعي النحوي صاحب أبي علي الفارسي. ولد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ودرس ببغداد الأدب على أبي سعيد السيرافي وخرج إلى شيراز فدرس بها على أبي علي الفارسي عشرين سنة ثم عاد فأقام ببغداد إلى آخر عمره فكان أبو علي يقول: قولوا له: لو سافرت من الشرق إلى الغرب لم تجد أنحى منك. وكان علي بن عيسى يومًا يمشي على شاطئ دجلة فرأى الرضي والمرتضى في سفينة ومعهما عثمان بن جني فقال لهما: من أعجب أحوال الشريفين أن يكون عثمان جالسًا معهما ويمشي علي على الشط بعيدًا منهما. توفي في محرم هذه السنة عن اثنتين وتسعين سنة ودفن بمقبرة باب الدير. وأخبرنا ابن ناصر عن أبي الفضل بن خيرون قال: قيل: إنه تبع جنازته ثلاثة أنفس. أنه في ليلة عاشوراء أغلق أهل الكرخ أسواقهم وعلقوا المسوح على دكاكينهم رجوعًا إلى عادتهم الأولى في ذلك وسكونًا إلى بعد الأتراك وكان السلطان قد انحدر عنهم فحدثت فتنة ووقع القتال بينهم وبين أهل القلائين وروسل المرتضى في إنفاذ من يحظ التعاليق فحط والفتنة قائمة بين العوام واستمرت بعد ذلك وقتل من الفريقين وخربت عدة دكاكين ورتب بين الدقاقين والقلائين من يمنع القتال. وفي ليلة السبت مستهل صفر: كبس جماعة من العيارين يزيدون على خمسين رجلًا على مصلحي بنهر الدجاج فقتلوه وقتلوا قومًا كانوا معه وأخربوا الدار ولم يتجاسر أحد من الجيران أن ينذر بهم خوفًا منهم. وفي هذا الشهر: كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي متقدم العيارين ووصل إلى عدة مخازن ومنازل وأخذ منها شيئًا كثيرًا واستمر ذلك فلقي الناس منه أمرًا عظيمًا. وفي يوم الأحد النصف من صفر: عصفت ريح شديدة وسمع في أثنائها دوي أفزع وتلاه برد كهيئة التين في حجمه وتحدد رأسه. وفي يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر: ورد الكتاب بدخول الملك جلال الدولة والاصفهلارية والغلمان الأهواز فضربت البوقات للبشارة بذلك وخلع على الركابية وطيف بهم في الأسواق وذلك أنه لما امتنع عليهم قتال من بواسط عمدوا إلى قصد الأهواز وأطعموا العسكر في المنهب فلما مضوا إليها تخاذل من كان بها من الأتراك وهرب الديلم فدخلوا فنهبوا ما يتجاوز حد الحصر واستمر النهب ستة عشر يومًا حتى أنه أخذ من دار ميمون البائع وخان انباره ما قدره سبع مائة ألف دينار وزاد المأخوذ من البلد على خمسة آلاف ألف دينار وألفي جارية وحرائر وأتلف وأحرق ما لا يمكن ضبطه. وفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من جمادى الأولى: سقطت قنطرة الزياتين على نهر عيسى. وفي يوم الأحد الثامن عشر من هذا الشهر: جلس الخليفة القادر بالله وأذن للخاصة والعامة فدخلوا عليه وشاهدوه وذلك عقب شكاة عرضت له ووقع الارجاف معها به وأظهر في هذا اليوم تقليد الأمير أبي جعفر عبد الله ولده ولاية عهده وكانت الأقوال قبل هذا قد كثرت في معنى الأمير أبي جعفر وتوليته العهد وتوقف الخليفة عن ذلك ثم ابتدئت الحال بأن ذكر على المنابر بالحضرة في ذي الحجة من السنة الماضية في عرض الدعاء للخليفة وقيل: اللهم أمتعه بذخيرة الدين المرجو لولاية عهده في المسلمين إشارة إليه من غير إفصاح باسمه ولا نص عليه فلما جلس في هذا اليوم تقدم الصاحب أبو الغنائم محمد بن أحمد وقوم من الأتراك وقال أبو الغنائم في أثناء ضجة وازدحام: خدم مولانا أمير المؤمنين الغلمان داعون له بإطلالة البقاء وإدامة الدولة وشاكرون لما بلغهم من نظرة لهم وللمسلمين باختيار الأمير أبي جعفر لولاية العهد فقال الخليفة: من هذا المتكلم ولم يفهم قوله فقيل الناظر في أمور الأتراك فقال للأمير أبي جعفر: اسمع ما يقوله فأعاد الصاحب القول فقال الخليفة: إن كان الله قد أذن في ذلك فقد أذنا فيه فقال الأمير أبو جعفر: مولانا يقول: إذا كان الله قد أذن في ذلك فنرجو الخيرة فيه فقال الخليفة وزحف من مخاده حتى أشرف على الناس من أعلى سريره بصوت عال: وقد أذنا فيه فقام نظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي: قد سمع قول مولانا أمير المؤمنين وحفظ والله يقرن ذلك بالخيرة والسعادة ومدت الستارة في وجهه وجلس الأمير أبو جعفر على السرير الذي كان قائمًا عليه بين يديه وخدمه الحاضرون بالدعاء والتهنيئة وتقدم أبو الحسن ابن حاجب النعمان فقبل يده وهنأه ودعا له فقال له: ثم ورد في يوم السبت لست بقين من الشهر كتاب الملك جلال الدولة إلى الخليفة يسأله فيه هذا الذي فعل فجمع الناس يوم الثلاثاء في بيت الموكب وقريء عليهم وكان فيه: " سلام على أمير المؤمنين أما بعد أطال الله بقاء سيدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين فإن كتابي صادر إلى الحضرة القاهرة القادرية المحفوفة بالبركات النبوية وما أستأمن فيه من أمور الرعايا وحفظ نظام العسكر مستمر بمبذول الإمكان والاجتهاد فما أزال أعمل فكرًا في مصالح المسلمين وأدأب سعيًا في حراسة شملهم وعلم سيدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين محيط بأن الله تعالى جعل لكل شيء أمدًا وسوى في نقل الخلق فلم يخل من حتمه نبيًا ولا صفيًا وقد سار سيدنا ومولانا القادر بالله أمير المؤمنين بأحسن السير حاميًا للخواص والعوام من الغير والأشبه تسمية النظر في حاضر يومه لغده وإعداد ما سيظهر به من عدده حتى لا يسأله الله يوم المعاد عن حق أهمل وقد تعين وجوده وأن أولى ما اعتمده النظر لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن في ذمتها والنص على ما يعهد الله بسياستها حتى لا تكون مهملة في وقت وأن الحنبة العزيزة الجعفرية مستحقة لولاية العهد بعد الأمد الفسيح الذي نسأل الله أن يطيله وأرغب إلى الموقف القادري أن يشد إزر الخلافة بإمضاء العقد المتين لها وصلة اسمها بالاسم العزيز في إقامة الدعوة وإنشاء الكتب إلى البلاد بما رأى في ذلك ليكون سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بعد الأمد الفسيح قد سلم الأمة إلى راع فإن رأت الحضرة الشريفة النبوية الإنعام بالإجابة إلى المرام أنعمت بذلك وأصدرت هذه الخدمة يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة ". وأتبع هذا الكتاب عن الخليفة يذكر ما قلده الأمير أبا جعفر من ولاية عهده فقال فيه: وإن أمير المؤمنين لما تأمل ما وهبه الله تعالى من سلالته أبي جعفر عبد الله وجده شهابًا لا يخبوء وخبر من مغيبات أحواله ما لم يزل يستوضحه فولاه عهده. وفي يوم الإثنين لليلة خلت من رجب قلد أبو محمد بن النسوي النظر في المعونة ولقب الناصح واستحجب وخلع عليه واستدعى جماعة من العيارين فأقامهم أعوانًا وأصحاب مصالح. وفي رمضان: ورد الخبر من الموصل بتاريخ يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان: أن فضلون الكردي غزا الخزم فقتل منهم وسبى وغنم من أموالهم غنمًا كثيرًا وعاد إلى بلده يقرر أنه قد كسر شوكتهم وأمن غائلتهم فاتبعوه وكبسوا واستنقدوا الغنائم والسبي من يده قتلوا من الأكراد والمطوعة أكثر من عشرة آلاف واستباحوا أموالهم. وكان ملك الروم قد قصد حلب في ثلثمائة ألف وكان معه أموال على سبعين جمازة فأشرف على عسكره مائة فارس من العرب وألف راجل فظن الروم أنها كبسة فلبس ملكهم خفًا أسود حتى يخفي أمره وأفلت وأخذوا من خاصته أربعمائة بغل محملة ثيابًا ومالًا وقتلوا مقتلة كثيرة من رجاله. ولليلة بقيت من رمضان كان أول تشرين الأول وينقضي أيلول عن حر شديد زاد على حر تموز وحزيران زيادة كثيرة وعصفت في اليوم السابع منه ريح سموم تلاها رعد ومطر جود. وكان في هذه السنة: موتان ببغداد وجرف عظيم في السواد. وفي سادس شوال: جرت منازعة بين أحد الأتراك النازلين بباب البصرة وبعض الهاشميين فاجتمع الهاشميون إلى جامع المدينة ورفعوا المصاحف واستنفروا الناس فاجتمع لهم الفقهاء والعدد الكثير من الكرخ وغيرها وضجوا بالاستغفار من الأتراك وسبهم فركب جماعة من الأتراك فلما رأوهم قد رفعوا أوراق القرآن على القصب رفعوا بإزائهم قناة عليها صليب وترامى الفريقان بالنشاب والآجر وقتل من الآجر قوم ثم أصلحت الحال. وفي ليالي هذه الأيام: كثرت العملات والكبسات بالجانب الشرقي من البرجمي ورجاله وقصدوا درب علية ودرب الربع ففتحوا فيها عدة خانيبارات ومخازن وأخذوا منها شيئًا كثيرًا وكبسوا عدة دور واستولوا على ما فيها. وتجدد القتال بين القلائين والدقاقين استمرت الفتنة ودخل من كان غائبًا من العيارين وكثر ولم يعمل الغدير ولا الغار في هذه السنة لأجل الفتنة وفي هذا الوقت تجدد دخول الأكراد المتلصصة ليلًا إلى البلد وأخذهم دواب الأتراك من إصطبلاتهم وفعل ذلك في عدة إصطبلات بالجانبين حتى دعاهم الخوف إلى نقل دوابهم إلى دورهم وشدها فيها ليلًا ونقل السلطان ماله من كراع إلى دار المملكة وعملت هناك المعالف وأغلق جلال الدولة بابه وصرف حواشيه لارتفاع الإقامة عنه وانصرف الحاصل إلى الأتراك. وتأخر الحاج من خراسان في هذه السنة ولم يخرج من العراق إلا قوم ركبوا من الكوفة على جمال البادية وتخفروا من قبيلة إلى قبيلة وبلغت أجرة الراكب إلى فيد أربعة دنانير. إبراهيم بن الفضل ابن حيان الحلواني قاضي سر من رأى نزل بغداد وحدث بها روى عنه المعافى بن زكريا توفي في هذه السنة. الحسن بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل أبو الفوارس البزاز وهو أخو أبي الفتح بن أبي الفوارس ولد سنة أربع وأربعين وثلثمائة سمع أبا بكر الشافعي وابن الصواف وكان ثقة وتوفي في صفر هذه السنة ودفن في مقبرة الخيزران. الحسين بن محمد أبو عبد الله الخالع الشاعر توفي في هذه السنة عن سن عالية. علي بن عبد العزيز بن إبراهيم بن بيان أبو الحسن ابن حاجب النعمان كان كاتب القادر بالله. ولد سنة أربعين وثلثمائة وذكر أنه سمع من أبي بكر النجاد والشافعي وابن مقسم وكان أبوه يخدم أبا عمر المهلبي في أيام وزارته وكتب هو للطائع لله ثم كتب بعده للقادر في شوال سنة ست وثمانين فكتب للخليفتين أربعين سنة وكان له لسان وبلاغة. وتوفي في رجب هذه السنة ودفن ببركة زلزل ثم نقل تابوته إلى مقابر قريش ودفن بها في سنة خمس وعشرين. عنبر أبو المسك كان قد بلغ مبلغًا لم يبلغه أمثاله ورأي أصحاب الأطراف يقبلون يده ويترجلون عند لقائه وينفذ حكمه فيما ينفذ فيه حكم الملوك انحدر إلى بغداد طمعًا في تملكها معونة للملك أبي كاليجار فتوفي. محمد بن جعفر بن علان أبو جعفر الوراق الشروطي الطوابيقي أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال: كان شيخًا مستورًا من أهل القرآن ضابطًا لحروف قراءة كانت تقرأ عليه وحدث عن أحمد بن يوسف بن خلاد وأبي علي الطوماري وأبي جعفر بن المتيم وغيرهم كتبت عنه وكان صدوقًا ومات في ذي القعدة من سنة إحدى وعشرين وأربعمائة ودفن في مقابر باب الدير. محمود بن سبكتكين يكنى أبا القاسم ويكنى أبوه أبا منصور كان أبو منصور صاحب جيش السامانية واستولى عليها بعد وفاة منصور بن نوح وتوفي سبكتكين في سنة سبع وثمانين وثلثمائة ببلخ فنازع إسماعيل بن سبكتكين أخاه محمودًا فكسره محمود وملك خراسان وزالت على يده دولة سامان وكان آل سامان قد ملكوا سمرقند وفرعانة وتلك النواحي أكثر من مائة سنة وقصدهم محمود وقبض عليهم وملك ديارهم وأقام الخطبة للقادر بالله وراسل محمود بهاء الدولة أبا نصر بن بويه بأبي عمر البسطامي ونفد إليه هدايا وخمسة أفيلة وسأله خطاب الخليفة في توليته فبعث بهاء الدولة بأبي عمر البسطامي إلى فخر الملك أبي غالب وأمره أن يقصد دار الخلافة ويسأله في هذا المعنى فأجاب القادر بالله إلى ذلك في شعبان سنة أربع وأربعمائة وحصل له من الفتوح في بلاد الهند والكفر ما لم يحصل لغيره وكان الخليفة قد بعث إليه الخلع ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة ثم أضيف إلى ذلك نظام الدين ناصر الحق وملك محمود سجستان وتملك مملكة واسعة وبلغ إلى قلعة لملك الهند تسع خمسمائة ألف إنسان وخمسمائة فيل وعشرين ألف دابة فأحاط بها فجاءه رسول على نعش يحمل قوائمه أربعة غلمان ويحفه مطرح ومخدة فقال له: إن مفارقة ديننا لا سبيل إليه ولكن نصالحك فصالحهم على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف ومائة بقرة فبعث محمود إلى ملكهم قباء وعمامة وسيفًا ومنطقة وفرسًا ومركبًا وخفًا وخاتمًا عليه اسمه وأمره أن يقطع إصبعه وهي عادة للتوثقة عندهم وكان عند محمود من أصابع من هادنه الكثير فلبس ملكهم الخلعة وأخرج حديدة قطع إصبعه الصغرى من غير أن يتغير وجهه وأحضر دواء فطرحه عليها وشدها. وفتح محمود قلعة سومنات وهدم البيت الذي يحجونه وفيه أصنام من الذهب والفضة مرصعة بالجواهر وقيمة ذلك تزيد على عشرين ألف ألف دينار وكانوا يحملون إلى الصنم ماء من نهر بينه وبينه مائتا فرسخ. ورتبوا ألفًا من البراهمة يواظبون على خدمته ويحلقون رؤوس زواره ولحاهم وأجروا على ثلثمائة رجل وخمسمائة امرأة كانوا يغنون للزوار فحاربهم محمود وقتل خمسين ألفًا وغنم الأموال وقبض على أبي طالب رستم بن فخر الدولة أبي الحسن وكتب إلى القادر بالله بأنه وجد لأبي طالب زيادة على خمسين امرأة حرة على ما سبق ذكره وخطب لمحمود في الأطراف وعقد على جيحون جسرًا ولم يقدر على ذلك أحد قبله وأنفق في سفرته ألفي ألف دينار ولم يحظ بطائل فاتهم وزيره وقال أغرمتني هذا المال فأخذ منه خمسمائة آلا ف ألف دينار واعتقله وكان قد عبر في غزوة إلى ما وراء النهر فضمن له أهل سمرقند ألف غلام حتى كف عنهم وكان معه أربعمائة فيل تقاتل وحمل إليه وهو بغزنة شخصان من النسناس الذين يكونون في بادية نحو الترك وهم على صور الناس في جميع أعضائهم إلا أن أبدانهم ملبسة بالشعر لا يكاد يبين منه ولهم كلام كصفير الوحوش فقدم لهذين المحمولين خبز وثريد ولحم فلم يأكلا وحملا إلى موضع الفيلة فما خافا وأكلا من الحشيش الذي يأكلونه. كما يأكل الحمار وتغوطا كما تفعل البهائم وأتراك بلادهم يأكلونهم ويذكرون أنهم أطيب اللحوم لحمًا ومرض محمود وكانت علته سوء المزاج وانطلاق البطن وهو على غزواته ونهضاته لا يثنى فلما اشتد به الأمر أمر بالجواهر التي أقتناها من ملوك خراسان وما وراء النهر وعظماء الترك والهند فصفت في صحن فسيح في قصره وكان قد جمع سبعين رطلًا من الجوهر فلما نظر إليها بكى بكاء متحسر على ما يخلفه ثم أمر بردها إلى مكانها من القلعة بغزنة وتوفي يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة وهو ابن ثلاث وستين سنة ملك منها ثلاث وثلاثين سنة ومات وهو مستند في دسته لم يضع جنبه إلى الأرض وكان ظاهر أمره التدين والتسنن وولي ابنه مسعود مكانه.
|